والواو في «يتوفاكم ويعلم» حالية تعني : يتوفاكم حال أنه يعلم ما جرحتم بالنهار.
وترى «جرحتم» تعني عملتم؟ وعبارتها الصالحة الفاصحة : عملتم ـ أو ـ كسبتم! ولم يأت الجرح في سائر القرآن لطليق العمل صالحا وطالحا ، إنما هو العمل الطالح حيث يجرح كيان الإنسان ، ويجرح كيان العبودية ، ويجرح الحياة بأسرها ـ بالنتيجة ـ في النشأتين(١).
وليس «جرحتم» تعني : عملتم بالجارحة ، حيث الجرح بالنهار تعم عمل الجارحة إلى عمل الجانحة عقيدة ونية وإرادة وسائر الطوية ، والجرح الطالح يتبنى جارحة الجانحة قبل جارحة الجارحة ، ولم تسم الأعضاء جوارح إلّا لأنها الظاهرة في جرحها ، لا أنها هي الجوارح دون سواها ، أو أنها هي العاملة صالحة وطالحة دون سواها ، فإنما الجارحة هي التي تجرح باطنية أم ظاهرية ، فلا تشمل ـ في الأصل ـ الصالحات.
ومن ثمّ فموقف الآية هو موقف التنديد بجوارح الأعمال والأحوال والأقوال ، والعظة بذلك التمثيل الأمثل للنوم بالموت لكي يتحلل الإنسان عن غفلته وغفوته فلا يعود يعمل الجوارح بالنهار.
ثم «ما جرحتم» تعني كلا الموصولة والموصوفة ، فهو يعلم جرحكم بالنهار ويعلم ما جرحتموه ، ومما يؤيد الاحتمالين إضافة إلى تحمل «ما» إياهما عدم ذكر لضمير الموصول ، فلا يتمحض في الموصولية بل ومعها الموصوفية.
وها هي وفاة النوم حين يأخذنا النعاس ، وفاة في صورة من صورها ، وسيرة من سيرها ، انقطاعا عن الحيوة العقلية والإرادية والحسية ، اللهم
__________________
(١) والآيات في الجرح هي : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ ..» (٤٥ : ٢١) «وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» (٥ : ٤٥) «وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ» (٥ : ٤).