فيها ، ومن أظلم ظلمات البحر ظلمة الليل وظلمة السحاب الغاشية وظلمة غور الماء ، إضافة إلى ظلمة الظلم حين يحكم هذه الظلمات ممن يستغل فرصها.
ففي هذه الظلمات ـ وقد تقطعت الأسباب وحارت دونها الألباب ـ يرجع الإنسان إلى فطرته حيث تزول غباراتها المختلفة المختلقة بزوال أسبابها الغاشية المتخيّلة حيث يغيب كلّ سبب ومسبب.
وقد يعني تخصيص الظلمات هنا بالذكر أخص الحالات المضطربة حيث تخفى الأسباب المتخيلة مهما كانت كائنة ، فهي ـ إذا ـ أيأس الحالات عن كافة الأسباب ، حيث لا يبقى في الدور إلّا مسبّ الأسباب.
إذا ـ وبطبيعة الحال ـ «تدعونه» لا سواه ، حيث ضل من كنتم تدعونه إلّا إياه ، (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً) إليه لا سواه «وخفية» وهي من آداب الدعاء كما يروي عن النبي (ص) قوله : «خير الدعاء الخفي وخير الرزق ما يكفي ، ومر بقوم رفعوا أصواتهم بالدعاء فقال : إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وإنما تدعون سميعا قريبا» (١).
أجل «خفية» كأدب لو خلي الداعي وطبعه ، ولا سيما إذا كان وحيدا ، فقد يتعرض الدعاء جهرا للرئاء كما في جمع ، أم للجهالة كأن يخيّل إلى الداعي كأن بالمدعو صمما ، ثم الخلو منهما يرجح فيه «خفية» إلّا إذا تعني تعليم من معك ، أو تلتذ برفع صوتك بالضراعة والدعاء حينما تأمن الرئاء فأحرى لك إذا أن تدعوا جهرا.
فالدعاء في أصله تضرع في خفية : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا
__________________
(١) مجمع البيان «من فوقكم» السلاطين الظلمة و (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) العبيد السوء ومن لا خير فيه وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) يضرب بعضكم بما يلقيه بينكم من العداوة والعصبية وهو المروي عن أبي عبد الله (ع).