السلب ، ف «لا إله» تنفي الألوهة عن كلّ الكائنات بحذافيرها ، ثم «إلا الله» تثبت حق الألوهة له تعالى ، ولكن ما هو وما هي صفاته وأفعاله؟ لا نصيب له هنا إلّا السلب ، موجود يعني ليس بمعدوم ، عالم يعني ليس بجاهل وهكذا الأمر .. ف (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ، إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ).
وهنا تساؤلات عدة حول هذه الآية ، منها ما هي الملكوت ، وأخرى ألم يكن إبراهيم قبل هذه الرؤية من الموقنين بالله ، وإذا فكيف كان يؤنب أباه وقومه بشركهم أنهم في ضلال مبين ، وثالثة بما ذا يعطف العاطف في «وليكون ..» ولا معطوف عليه ظاهرا يعطف عليه؟.
قد يكون المعطوف عليه «ليحتج على المشركين» كأصل في حجاجه (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) الأولين في تلك الاراءة الملكوتية ، إيقانا فوق إيقان فإيمانا فوق إيمان ، حيث الإيقان فالإيمان درجات حسب درجات رؤية الملكوت ، فما أريه إبراهيم من الملكوت له جانبان اثنان ثانيهما وهو الأعمق (لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) والأوّل وهو الممكن تفهمه لمتحري الحق فقر الكائنات كلها إلى ربها ، (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) الرساليين وهم أفضل الرسل والنبيين ، لا كلّ الموقنين بل الموقنين القمة كإبراهيم (ع).
ذلك ، ولرؤية الملكوت خلقيا ـ وهي مفروضة على كلّ السالكين إلى الله ـ درجات ، رؤية الفطرة ، ورؤية العقلية الإنسانية على ضوء الفطرة والرؤية الحسية والعلمية ، ورؤية بالوحي يكملها كلها ، كما ولكلّ درجات ، فليست رؤية الملكوت ـ إذا ـ نسقا واحدا وشكلا فاردا ، ومن ثم رؤية خالقية ربانية علميا وقيوميا خاصة بالله.
والنظرتان الأوليان إلى ملكوت السماوات والأرض هما المفروضتان على كافة المكلفين ، ذوي الفطر والعقول ، والأبصار والبصائر ، وقد يندد بمن لا ينظر بها إلى الملكوت : (أوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ