قال وحدّثني الصادق عن أبيه عليهما السلام : انّ أهل البصرة كتبوا الى الحسين بن عليّ عليهما السلام يسألونه عن الصَّمَدُ فكتب إليهم بسم الله الرّحمن الرحيم امّا بعد : فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم فقد سمعت جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّء مقعده من النّار وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ ثمّ فسّره فقال لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لَمْ يَلِدْ لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة الّتي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات (١) كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّآمة والجوع والشبع تعالى عن ان يخرج منه شيء وان يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف وَلَمْ يُولَدْ ولم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابّة من الدابّة والنّبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ولا كما تخرج الأشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشمّ من الانف والذّوق من الفم والكلام من اللّسان والمعرفة والتميز من القلب وكالنّار من الحجر ألا بل هو اللهُ الصَّمَدُ الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم اللهُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ قال الراوي سمعت الصادق عليه السلام يقول : قدم وفد من فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ثمّ سألوه عن الصَّمَدُ فقال تفسيره فيه الصمد خمسة أحرف فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزّ وجلّ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس واللّام دليل على الهيّته بأنّه هو الله والالف واللّام مدغمان لا يظهران على اللّسان ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أنّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا يقع في لسان واصف ولا اذن سامع لأنّ تفسير الإِله هو الذي اله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس وانّما يظهر ذلك عند الكتابة على أنّ الله تعالى اظهر ربوبيّته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللّطيفة في أجسادهم الكثيفة فإذا نظر عبد
__________________
(١) ذو بدوات : أي لا يزال ببدو له رأى جديد ومنه بدا له في الأمر إذا ظهر له استصواب شيء غير الأول.