فلقد اغتم موسى بهذه القتلة الخاطئة غير القاصدة كما تلمح له (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ) ـ (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ـ (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) فقد وكزه وكزة فأصبحت قتلة خاطئة (١) وحتى لو كانت عامدة ما كانت منه خطيئة ، فان القبطي كان وثنيا محاربا وحكمه واضح ، ولكن هذه القتلة غير العامدة خلّفت تأخيرا للرسالة الموسوية ، وهي من هذه الناحية كانت خطأ وغما فنجاه الله من غمه.
(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) عدة ، منذ رضاعتك وصباك وبلوغ أشدك في البلاط الفرعوني ، إلى قتل النفس ، وإلى قضاياك في مدين ، وفتن الرسالة هي طبيعة الحال لمن يعدّ لها عدّة ، ولكي يتمرن على المصائب المصاعب ، ويتدرب على درب الرسالة الشاقة الملتوية ، ويتجرب بما يحضّره لكل نائبة.
وتراه كيف قتل نفسا خطأ وهو صنيع ربه ، معصوما عن كل وصمة عامدة او خاطئة؟ علّه من فتن الله ، المعني من «فتونا» ولكي يعرف انه لو وكله الى نفسه طرفة عين لتطرّف وانحرف ، وذلك قبل الرسالة الرسمية حيث حصلت بعد سنيّ مدين الفاتنة له ، المربية إياه.
يمتحنه ربه بالخوف والهرب من القصاص ، وبالغربة ومفارقة الأهل والوطن ، وبالخدمة ورعي الغنم ، نحلة لأهله ونفقة ، وقد تربى منذ ولادته حتى حينه في قصر أعظم ملوك الأرض!
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٢٩٦ ـ اخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب عن ابن عمر سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول : انما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ يقول الله : وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفي المجمع روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) انه قال : رحم الله اخي موسى قتل رجلا خطأ وكان ابن اثنتي عشرة سنة.