(وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) نجزي معيشة ضنكا في الدنيا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) لو كانوا يعلمون ، وهنا تنتهي الجولة بطرفيها الصالح والطالح ، وبالتالي جولة للطالحين هي اقرب من الاخرى ، فانها واقع تشهده العيون ان كانت الاخرى غيبا عن العيون :
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) ١٢٨.
«هدى له» هي الهدى الصالحة لمن يهتدي بها حجة بالغة عليه (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أولاء المعرضين عن ذكري (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) الخالية البالية بما أسرفوا ولم يؤمنوا ، وهم أولاء (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) ويرون بأمّ أعينهم آثارهم الخاوية (إِنَّ فِي ذلِكَ) الإهلاك في قرون مضت «لآيات» بينات (لِأُولِي النُّهى) جمع نهية وهي العقل الناهي عن هوى النفس ، واما المعقول بعقال النفس فهو معرض عن آيات ربه وذكره.
فحين تجول القلوب والعين في مصارع القرون ، وتطالع العين ويطلع الضمير على آثارهم ومساكنهم عن كثب ، ويتصور الإنسان النسيان شخصوهم الذائبة وأشباحهم الهاربة ، حين يتأمل ذلك الحشد من الأشباح والصور ثم لا يرى منهم أثرا إلا بيوتا خاوية ومساكن خالية ، عندئذ يستيقظ للهوة التي تفغر فاها لتبتلع الحاضر كما ابتلعت الغابر و (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى).
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) ١٢٩.
والكلمة السابقة هي قوله في الأعراف (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٢٤) ونظائرها الدالة على ان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ، وما إهلاك قرون خلت او تأتي إلا نموذجا منبها من العذاب ، ولولا هذه الكلمة «لكان» إهلاك المعرضين عن ذكر الله