وعلى اية حال فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم ، ولا يهيج الكبرياء الزائف التي يعيشها الطغاة ، بل ومن شأنه إيقاظ القلب غير المقلوب ، والحجة القاطعة على القلوب.
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى)(٤٥).
هنا خوف الداعية في سبيل الدعوة ، يعرضه على الله ، لا اعراضا عن امر الله ، وانما سؤالا لمزيد التأييد كما سأل من ذي قبل فاعطي سؤله.
فلم يكن خوفا للداعية على نفسه (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (٢٦ : ١٤) إذ طمأنه ربه لما أعطاه سؤله : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) (٢٨ : ٣٥).
ف (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) كرسولين ، فرطا على الدعوة تعجيلا بالعقوبة قبل الآية المعجزة ، و (أَوْ أَنْ يَطْغى) هي طغوى عليهما وعلى بني إسرائيل ، بعد ما طغى ، فهي مزيد الطغوى ، إظهارا لدفينها.
فذلك ـ إذا ـ خوف على الدعوة ان يسبقها فرط من فرعون بقتل الداعية ، ام يزيد طغوى على طغوى ، فلا تفيد ـ إذا ـ هذه الدعوة الا بنصرة الهية هي المطلوبة في ذلك العرض.
فها هما ذان الرسولان المأموران الخائفان على بلاغ الرسالة يتوجهان الى ربهما بمخاوفهما ، ويطمئنهما ربهما فيطمئنان على طول الخط الى نهاية المطاف.
(قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) ٤٦.
«لا تخافا» على أية حال ل (إِنَّنِي مَعَكُما) معية العلم والقدرة والنصرة «اسمع» المقال «وارى» الحال ، ولست أهمل الرسول والرسالة ، او أمهل الفارط والطاغي على الدعوة ، فان ذلك نقص في الرسالة ، ونقض للهدف من الدعوة!.