نرى هنا في ذلك العرض الحكيم لتلك الرسالة السامية كل برهنة ساطعة قوية بكل ليونة ، فلا ينسبان الى الطاغية تكذيبا للهدى وتوليا عنها واستحقاقا للعذاب بصيغة صريحة ، وانما يوضّحان اسباب الهدى والردى بمسيرهما ومصيرهما ، وليعرف فرعون من هو من هذا البين (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)!
فهنا ترغيب واستمالة (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) فلعله منهم ، يتلقى السلام باتباع الهدى ، ثم تحديد وتحذير غير مباشرين كيلا يستثيرا كبرياءه او يحطاه من علواءه : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فلعله ليس ممن كذب وتولى.
ولماذا هنا (رَسُولا رَبِّكَ) وفي سائر القرآن «رسول ـ او ـ رسولا رب العالمين(١)؟.
لأن الذي هو رب فرعون المدعي للألوهية أحرى ان يكون ربا للعالمين أجمعين ، إذا ف (رَسُولا رَبِّكَ) صيغة اخرى عن «رسولا ـ او ـ رسول رب العالمين» ام انه قالهما بصيغة عامة لكافة المرسل إليهم واخرى خاصة بفرعون رعاية لليونة التعبير.
هنا يمتنّ فرعون على موسى انّ رباه وليدا كأنه نعمة تمنعه عن هذه
__________________
ـ وأوصيك ونفسي بتقوى الله فانها زين الكلام وتثبيت النعم ـ الى قوله ـ : أحذرك معصية الخليفة وأحثّك على بره وطاعته وان تطلب لنفسك أمانا قبل ان تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان فتروح الى النفس من كل مكان ولا تجده حتى يمن الله عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه الله فيؤمنك ويرحمك ويحفظ فيك أرحام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والسلام على من اتبع الهدى انا قد اوحي إلينا ان العذاب على من كذب وتولى.
(١) ففي الأعراف والزخرف «وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) وفي الشعراء» إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣).