بنزول القرآن ، تركا لما هم فيه وآباءهم من الجاهليات الساقطة ف «بل لتسعد» تفسيرا لمقابل «تشقى» ناظرة الى شأني النزول ، فلا هو شقي بنزول القرآن خلاف ما افتري عليه ، ولا عليه ان يتعب نفسه به في نفسه وفي دعوته ، فقد وضع عنه إصر مثلث الشقاء عناء ، ورسول الهدى من غير السعادة في الشقاء براء.
ففي ذلك الخطاب العتاب الحنون رد على الذين قالوا «لقد شقي هذا الرجل بربه فأنزل الله طه» (١) وعلّه مثلث الشقاء ، وقد يروى عن طه «ان الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل ان يخلق السماوات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت : طوبى لأمة ينزل عليها هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا» (٢).
ولأن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان دائب العبودية في أصعبها ليطهّر اكثر واكثر ، وكان دائب الدعوة الصارمة حرصا على هداهم ، ضائق الصدر عن رداهم ، كما (لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) لمحة إجمالية عنهما ، وفي القرآن المفصل تفصيلهما ، فعله لذلك خوطب هنا بطه ، انه الطاهر لقمتها دون شقاء في العبادة ، والهادي لقمتها دون شقاء في الدعوة ، فهو الطاهر الهادي فلما ذا يشقى.
__________________
(١) الدر المنثور اخرج ابن مردويه ابن جرير عن ابن عباس وفي تفسير الرازي ٢٢ : ٣ قال مقاتل. ان أبا جهل والوليد بن المغيرة ومطعم بن عدي والنضر بن الحارث قالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) انك لتشقى حيث تركت دين آباءك فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) بل بعثت رحمة للعالمين قالوا بل أنت تشقى فانزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم وتعريفا لمحمد بان دين الإسلام هو السلام.
(٢) المصدر اخرج الدارمي وابن خزيمة في التوحيد والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الأوسط وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ان الله ...