ولقد كان «أمرهم» الذي تنازعوه بينهم امر التصديق والتكذيب لموسى ، فطائفة تحنّ الى تصديقه ، واخرى الى تكذيبه ، وثالثة عوان بين ذلك ، متجاذبين أمرهم بينهم في سر مستسر ، فالاولى لا تجرء على اظهار أمرها تخوفا من فرعون وملائه ولمّا يظهر امر موسى ويبهر ، وحتى يتبلج امره بعد ما تلجلج ، فضلا عن ان يجذب المعاندين الى الحق ، والثانية تحاول جذبها والثالثة الى التكذيب ، وبالفعل أصبحت هذه الأقلية الصالحة تحت ضغط الاكثرية الكالحة فسكتوا عما :
(قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) ٦٣.
وعله خطاب ذو بعدين من الأكثرية المضللة ، لأنفسهم استحكاما لعرى ضلالهم ، وللحائرين مزيدا في تحيرهم ، سنادا الى أهم الأمور الحيوية لكل امة سياسيا وروحيا ، إخراجا من أرضكم ، وإذهابا بطريقتكم الروحية المثلى ، وكل ذلك بسحر دون أية حقيقة ، فهو ـ اذن ـ باطل يريد ان يذهب بحقين حقيقين بالبقاء لكل امة.
فإذا هو ساحر فأنتم اولى بالسحر منه ، ثم اولى منه بأرضكم وعرضكم ، وطريقتكم المثلى التي لا نظير لها ، وذلك اخطر كيد على امة ، لتبقى تحت نير الذل والفرعنة دون ان يؤتى لها مجال التفكير لصالحها يوما مّا!
فلقد استحثوا دفائن ثورتهم من فورتهم يدا واحدة ضد من يريد القضاء على بعدي الحياة الراقية! فاليوم هو يوم المعركة الفاصلة بين الحق والباطل :
(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) ٦٤.