الشقاء والعناء ولأنه قول ثقيل : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) فالقول الثقيل يقتضي للمقول له العبء الثقيل ، والتعبد الثقيل ، دون ان يكتفي بالميسور القليل ، ولذلك أخذ يتكبد فيما يتعبد حتى جاء امر الجليل بالتقليل (طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) :
اجل ، ليس القرآن مجالا للشقاء على أية حال ، حيث المحور الأصيل فيه في كافة مجالاته وجلواته يسردون عسر ، فانه ميسّر للذكر لكل مدّكر فضلا عن منزل وحيه ومهبط رسالته : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فلا تتجاوز تكاليفه طاقة الإنسان أيا كان ، إذ لا يفرض إلّا ما في الطوق والسعة ، نعمة دون شقوة ونعمة.
كما اننا (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) في حمل الناس على الهدى ، فتغيّظا وتضيّقا حين لا يؤمنون ، واستزادة حين يؤمنون ، إذ ليس عليك هداهم ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ولاتك في ضيق مما يمكرون ، فإنما الغاية القصوى منه محصورة في :
(إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) تذكرة للمدّكر ، وتبصرة للمتبصر ، ف (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (٣٦ : ١١) والاستثناء هنا من أوصل المتصلات دونما انقطاع ، ف (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) في الأولى او الأخرى ، ولا لأمور اخرى (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) ومما يشهد لذلك الحصر ان الذكر هو من أسماء القرآن الأصيلة ، ذكرا لكافة الآيات آفاقية وانفسية جملة وتفصيلا.
وقد تتوسع «لتشقى» وما أولاها ، الى انك تشقى وتتعب في نفسك ودعوتك تذكرة لمن يخشى ، حيث تنذر به قوما لدا ، فما شقاءك وعناؤك كرسول إلّا للذكرى ، واما أنت يا رسول الهدى فقد يكفيك ما أنت دون نصب في تعبدك فإنك (أَوَّلُ الْعابِدِينَ).