فالمعني إذا ـ ضمن ما يعنى ـ (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) هكذا «إلّا» شقاء وعناء «تذكرة» بهذا القرآن (لِمَنْ يَخْشى)!
فلولا تعب المذكر في اصطناع نفسه ثم المحاولة في اصطناع غيره ، لم تكن التذكرة تلك الكافية البالغة لمن يخشى.
والخشية هي الضراعة في الجوانح كما الخشوع للجوارح ، وهي خوف يشوبه تعظيم عن علم بما يخشى منه ف (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٣٥ : ٢٨) وعلى ضوءها الخشية من الحياة الأخرى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٧٩ : ٤٥) : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (٢١ : ٤٩).
فحين لا تكون خشية فحمل القرآن حمل وشقاء ، وإذا جاءت الخشية فحمله نعماء مهما كانت فيه من عناء ، وأنت يا اوّل العابدين في شغف بالغ من خشية الله ، يسهل عليك كل عناء في سبيل الله ، ولكن لا عليك أن تشقى بالقرآن فوق ما عليك.
ولأن التذكرة ليست إلّا عن غفلة ، فلتكن مادتها موجودة لمن يخشى ، وهي كذلك لمن يخشى ومن لا يخشى ، حيث الفطر مفطورة على معرفة اصول المعارف الدينية ، والعقول الصافية الضافية تتبناها في نضدها ونضجها ، استيحاء من وحي الله التي يكملها ويفصلها ، فالعقول تأخذ من الفطر بشمائلها الميمونة ، ومن الوحي بأيمانها الميمونة ، وذلك المثلث البارع ينتج دينا بارعا لا عوج فيه ولا ريب يعتريه.
وهكذا يكون القرآن تذكرة بالفعل لمن لم تحجب فطرته ، ولم تكسف عقليته ، فهو خاش للحق ، متحر عن الحق ، متربص تشريفه ليتذكر ما استغفل ، ويكتمل على غراره ما هو قاصر ، فمن يخشى وهو يسعى فالقرآن له ذكرى ، ومن لا يخشى وهو يتلهى لم يكن له ذكرى ، باقيا في غفلته ،