(قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) : بصر به هو العلم والمعرفة عن بصر العين ، قد يعلمه غير الباصر وقد لا يعلمه ، وهنا (بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) تختص بالباصر الخفي كما (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٢٨ : ١١).
فهناك امر بصر به وهم لا يبصرون ، معرفة أو علما بما يجهلون ، وكان بالإمكان ان يبصروا به ولكنهم مستغفلون ، فلم تكن ـ إذا ـ معرفة خارقة للعادة في مسارح المعرفة ، بل هي لمحة خفية لأمر عن تحرّ وتفتيش ، لم يكن هؤلاء بصدده حتى يتلمحوا له ، والسامري يأتيهم هنا مما يجهلون بما سولت له نفسه من الإغراء لإجراء مكيدته البائتة الدفينة.
(بَصُرْتُ .. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها) وهنا القبضة متفرعة على البصر ، ثم النبذة تتفرع على الأثر ، وكل ذلك من تسويلات نفس السامري : (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي).
فما هي القبضة ، وما هو الأثر؟ وما هي نبذة الأثر؟ ومن هو الرسول المقبوض الأثر؟.
فهل الرسول هنا هو جبريل ، وأثره موضع حافر فرسه ، فقبض قبضة من ترابه فنبذها في حليّهم المركوم فأصبح عجلا جسدا له خوار؟ كما قد تداولته أقلام المفسرين في الأكثرية المطلقة.
والمتداول من «الرسول» في القرآن هو الرسول البشر ، مهما شمل جمعه الرسول الملك (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢٢ : ٧٥) وليس يعني (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) جبريل الا بتأويل عليل ، ثم جبريل وهو الطائر القدسي الرسالي ليس يركب فرسا! ولا يظهر لغير الرسول ، ولئن ظهر فانما هو في صورة البشر ، فكيف عرفه السامري؟ أبصورته الاصلية؟ ولا تصلح لغير الرسول! ام بصورة.