لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أنني عرفت من بطلان هذه الرسالة ما لم يعرفه هؤلاء ، ولكي أبيّن لهم ضلالهم جئتهم من حيث يعرفون (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) وهو شطر من سنته ثم «نبذتها» إلغاء لها لأزلزل من اركان ايمانهم المزعزعة في نفسها ، ام «نبذتها» خلطا لها بباطل من عندي ثم أظهرت حقها بمظهر الباطل والباطل بمظهر الحق.
ونفس النبذ هنا ـ دون القذف ـ خلاف ما هناك ـ وأنه رفض بعد القبض ـ مما يدل على انه تضليل بعد تدليل : «قبضت فنبذت» فالقبض هو الأخذ قبولا وتصديقا ، والنبذ هو الرفض تكذيبا ، وهذه هي أضل طرق الإضلال ان يقبض من اثر الرسول كمصدق له ، ثم ينبذ ويرفض نفس المقبوض تكذيبا وكما كان يفعله الدجالون : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٣ : ٧٢).
ولو كان المنبوذ هنا هو المقذوف هنا لك ام الملقى هناك لكان قذفتها ام ألقيتها (١) والنبذ صريح في الرفض دون الإلقاء والقذف ، فقد قذفوا حليّهم بإلقائه (فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ) ومن قبل قبض قبضة من اثر الرسول فنبذها تهوينا لايمانهم ، فلو ظلوا على ايمانهم ما ضلوا
__________________
(١) لم يأت النبذ في القرآن الا بمعنى الرفض ك (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) (٢ : ١٠١) (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) (٢٨ : ٤٠) (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) (٢ : ١٠٠) (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (٣ : ١٨٧) (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) (١٠٤ : ٤).
وفيما جاء النبذ في غير المرفوض فهو نائب مناب المرفوض مثل يونس (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) (٣٧ : ١٤٥) و (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (٦٨ : ٤٩) وكما مريم (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) (١٩ : ١٦) تباعدا عنهم لما وجدت من نفسها نبذا ورفضا لما حملت.