ويا له من مسرح الخوفة المولية له مدبرا دون تعقيب ، إذ ألقى عصاه فإذا هي تدب وتسعى بسرعة هائلة كأنها جان ، فأدركت موسى طبيعة الانفعالية ، وهزّته هزّتها المفاجئة التي لم تك تخطر ببال ، وهو في تلك الحال المباركة (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) فيجري في جريه مولّيا دون تفكير في الرجوع ، فيأتيه النداء الحنون المنون (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ..) وهذه ضابطة شاملة انه انما يخاف لدى الله «من ظلم» ثم لم يبدل حسنا بعد سوء ، وهلّا يخاف غير الظالم الله كما لا يخاف لدى الله؟ طبعا يخاف الله ويخشاه حيث الخوف والخشية من الله هما قضية الضعة الكاملة أمام الله ، ف (لا يَخافُ لَدَيَّ) لا تنفي إلا الخوف عما يخيف من الكائنات المخيفة كحية العصا أمّاذا؟ جزاء الظلم ، فامّا الله ف (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) بالله ، العارفين قدر الله.
خوف وخشية عن الله هما قضية العلم بالله ، وخوف لدى الله ام سواه عما سوى الله هو قضية عصيان الله ، ف«من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شي» (١).
فقد كان يخاف موسى لما ظلم نفسه (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (٢٦ : ١٤) (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (٣٤ : ٢٨) ، وهذا خوف من غير الله قضية الانتقاص بجنب الله.
ثم هنالك خوف من الله قضية العلم بالله (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ١٧٥) (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) (٧٦ : ٢٠) أم خوف في الله حفاظا على شرعة الله : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) (٨ : ٥٨).
__________________
(١) عيون الأخبار عن الامام الرضا (عليه السلام).