لقد كانت العرب تدين بحرمة (هذِهِ الْبَلْدَةِ) وهي مكة المكرمة (١) ، وكانت تستمد سيادتها على من سواها منها ، وتعلّق آمالها وأصنامها على كعبتها تقربا إلى الله زلفى ، ف (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) تعريضة عريضة على هؤلاء الذين يعظمون البلدة والبيت ويحترمون ، ثم لا يعظمون صاحب البيت بل ويخترمون ، إذ يعبدون أصناما يظلون عليها عاكفين ، وما أظلمهم عبادة وأضلهم!
و «حرمها» لحرمتها سلبيا وايجابيا فوق كل بلدة حيث يحج بيتها ويصلى إلى قبلتها ، وهو الملجأ للخائفين ، وقد حرّمت فيها ـ لا سيما حالة الإحرام ـ من الشهوات المباحة في غيرها.
ثم وليس فقط : رب هذه البلدة ، بل (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) سواها ، وانما لها نصيب زائد على غيرها من كائنات العالم فانها أم القرى تكوينيا حيث دحيت الأرض من تحتها ، وتشريعيا إذ بعثت فيها أم الرسالات بخاتم المرسلين وسيد الخلق أجمعين (صلّى الله عليه وآله وسلم).
إنه تعالى (رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) لا سواه فلم تعبدون سواه ، (وَلَهُ كُلُّ
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ١٠٥ في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما قال : ان قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا فقرأه فإذا فيه : أنا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض ووضعتها بين هذين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك.
وفيه عن زرارة قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : حرم الله حرمه ان يختلى خلاه ويعضه شجره إلا الأذخر أو يصاد طيره.
وفيه عن معاوية بن عمار قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة : إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض وهي حرام إلى ان تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي الا ساعة من نهار.