حكما وعلما فإنهما ليسا هما الرسالة البعيدة عن عمل الشيطان وعن أي ضلال في سبيل الدعوة ، وقد قوبل الحكم في مواضيع عدة بالرسالة والنبوة مما يجعله أعم منهما مهما كان منصبا إلهيا كما كان لطالوت ، ولكنه ليس ليعصم صاحبه عن كافة الزلات والضلالات ، فقد أوتي حكما مع الرسالة بعد ما رجع من مدين وبينه وبين الحكم الأول عشر سنين ، فذلك حكم رسالي ورسالة الحكم ، ليس ليضل معه بعد على طول خط الدعوة ، والأول حكم الدعوة قبل الرسالة قد يضل معه كما ضل.
ثم ولم يكن ضلالة له عن الايمان ولا عن حكم الشرعة الإلهية إذ كانت الوكزة القاتلة في ذلك الاقتتال مسموحا أو فرضا حسب الشرعة ، دفاعا عن نفس محرمة موحدة عن ان تهدر ، مهما هدرت نفس مشركة غير محترمة.
وهنا تقتسم الوكزة إلى أصلها المصيب المشروع فليس ضلالا ، وإلى قتلتها المخلّفة عن قوتها وقد خلفت فرار صاحب الحكم عن الجو الرسالي الآتي وأجل رسالته عشر سنين ، وذلك مقصود وهذا غير مقصود ، وليس عمل الشيطان هنا إلّا غير المقصود ، والمقصود هو عمل الرحمان ، فلم يكن الضلال إلّا في البعد الثاني من وكزته وهي القتلة الناتجة عنها ، غير المقصود فيها ، فلم يرتكب ـ إذا ـ كمؤمن ذنبا ، وإنما ارتكب خطأ رساليا ولمّا يرسل (١) إذا فهو ضلال عن تلك الرسالة السامية في مرحلة ادنى منها مهما
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٤٨ في عيون الأخبار يسأل مأمون الرشيد أبا الحسن الرضا (ع) فيما سئل أليس من قولك ان الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ـ قال : فما معنى قول موسى لفرعون : فعلتها إذا وأنا من الضالين؟ قال الرضا (ع) : إن فرعون قال لموسى لما أتاه : وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ـ قال موسى : فعلتها إذا وانا من الضالين عن الطريق بوقوعي الى مدينة من مدائنك ففررت منكم لما خفتكم» وقد قال الله لنبيه ـ