إنه لا يعيى عن النكاية بموسى كرسول ، يحاول القضاء على كيان مرسله رب العالمين ، وهل هو ـ فقط ـ سؤال عن الماهية؟ والصيغة الصالحة في الماهية الإلهية هي «من» دون «ما» ثم السؤال عن الماهية ليس إلّا بعد الاعتراف بصاحبها وهو ناكر رب العالمين ، لمكان دعواه (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) و (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ...) (٢٨ : ٣٨) فقد كان دهريا لا يؤمن بالله ولا سيما المدعوّ ب (رَبُّ الْعالَمِينَ) فانه ممن يقسم الربوبية بين أرباب عدة ارضية وسماوية ، وهو منهم كما الأصنام منهم : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ..) (٧ : ١٢٧). فحتى لو كان معترفا بوجود الله كرب للأرباب ، فهو ناكر لكونه رب العالمين ، اللهم إلّا عالما له خاصا كما لسائر الأرباب عوالم خاصة.
وقد يكون الطاغية جامعا في سؤاله عن «ما» بين التوهين والاستفهام عن الماهية والكيفية ، فأتى موسى بالجواب الصالح وهو عرض الصفات الفعلية وكما يروى انه لما قال : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا ..) قال فرعون متعجبا لأصحابه : ألا تسمعون أسأله عن الكيفية فيجيبني عن الصفات ...» (١).
إذا فهو سؤال استنكار وتهوين لمكانة من سماه موسى (رَبُّ الْعالَمِينَ) وهنا موسى يضرب الصفح عن تلك المهانة مجيبا عن مكانة رب العالمين ، مبينا سعة العالمين دون اختصاص بعالم دون آخر :
(قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)(٢٤).
__________________
(١) تفسير البرهان ٣ : ١٨١ تفسير القمي قال حدثني أبي عن الحسن بن علي الفضال عن ابان بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال لما بعث الله موسى الى فرعون ـ إلى ان قال ـ : وانما سأله عن كيفية الله فقال موسى رب السماوات ...».