(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) بأصل الربوبية الأصيلة ، فهي ـ إذا ـ الربوبية العالمية المحلّقة على الكون كلّه المعبّر عنه ب (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) وان لم تكونوا موقنين بأصل الربوبية فالسؤال (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ؟) ساقط من أصله ، إلّا هزء كما هو كذلك ، إلا أن موسى الرسول مهمته ان يهدي الضالين مهما كان سؤالهم متنعتا مستهزء.
ويا له من جواب يكافئ ذلك التجاهل العارم ويغطّيه ، انه (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) التي أنت جزء منها ضئيل ، كالذرة أو الهباءة بين شاسع الكون وهائله.
هنا ينبري الطاغية بقولة لاهية لاغية لمن حوله ، يستنصرهم في القضاء على حجة الله البالغة :
(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ)(٢٥).
ألا تستمعون إلى ذلك التقوّل العجاب ، كيف يجرأ عبد من عبيدي أن يختلق ربا للكون كله ويجعلني ضمنه و (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)! وقد يكفي ردا عليه ادعاءه الجوفاء الخواء أمام الرب الأعلى أنه مرسل اليّ من رب العالمين!
أترى موسى يجيبه عن لاغيته؟ كلّا! بل يمر عليها مر الكرام مستمرا في تعريفه برب العالمين :
(قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)(٢٦).
إن رب العالمين ـ رب السماوات والأرض وما بينهما ـ هو «ربكم» : فرعون وملؤه ، (وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) فان كنت يا فرعون ربا لمن حولك ومن معك كما تزعم ، فهو (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ).
وهذه أشد مساسا بفرعون ودعواه ، وأحدّ مراسا لاثبات الربوبية العالمية ، مما يدفع فرعون إلى قولة جنونية تجنّن موسى ، وليسقّطه عن عقلية