الحوار ، ويجتثّ الحق عن كل دعاويه :
(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)(٢٧).
وذلك تهكّم في أصل الرسالة ، فقضاء ـ في زعمه ـ على ما يحمله من مواد الرسالة الإلهية ، ضربا عميقا عميما على موسى في الصميم ، كفاحا عن ضربته السياسية والدينية على فرعون في الصميم.
أترى موسى يقابل الطاغية بالمثل قائلا : ان ربكم الأعلى لمجنون؟ كلّا! بل هو يمضي في طريقه قدما كأن لم يسمع قولته الباغية :
(قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(٢٨).
فإن كنت أنا الرسول المجنون بسند التعريف بالربوبية العالمية ، فمن رب المشرق والمغرب وما بينهما ايها العقلاء إن كنتم تعقلون؟.
أمن العقل نكران خالق العقل والعقلاء ، ونكران الربوبية الوحيدة لهذا النظام المنسّق بنسق واحد ، والمنظم بنظام فارد ، أم الجنون بعينه هو النظام من نتائج فوضى الربوبيات المتشاكسة ، والوئام التام دون تفاوت في الخلق من آثار مختلف الربوبيات الشاسعة!.
إن المشرق والمغرب مشهدان معروضان لكل ذي بصر ونظر ، فهل ان الشروق والغروب هما من تصريفات فرعون وآلهته؟ إنه توجيه وجيه يهز القلوب البليدة المقلوبة هزا ، إثارة لمشاعرهم ، وايقاظا لعقولهم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
ولا يخشى الطغيان ما يخشاه من يقظة الشعوب النائمة ، كالبهم الهائمة ، المحرضة إلى العقل عن الحقائق في كل حقل ، دون تبعية بغبغائية قاحلة ، وتقليدة جاهلة ، ويا له من ترتيب رتيب عجيب في تعريفه برب العالمين ، ابتداء من الأثر العام : (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) الظاهر