إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) يعرب بفصيح آياته وبليغها لأعلى القمم عن أعلى القيم التي تقوّم وتقيم المكلفين على صراط مستقيم ، واضحا لا تعقيد فيه ولا ريب يعتريه (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) :
ترى ما هي أم القرى ومن هم من حولها؟
أم القرى هي مكة المكرمة (١) وهل إن من حولها هي القرى العربية من شبه الجزيرة ، حيث الحول هو القرب الدائر مدار الأصل؟ أم وسائر القرى العربية من الجزيرة وسواها المتصلة بها ، المجاورة لها؟ وعربية القرآن بمعنى اللغة تشمل العرب عامة من حول أم القرى أم البعيدة المنفصلة عنها! أم ان حولها تشمل كل القرى في هذه المعمورة؟ وكيف تشمل غير العربية منها ووحي القرآن عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها لا يحمل إنذار غير العربي ، وإن حمل وشمل فلا اختصاص لإنذاره بقرى هذه المعمورة!
أم لا ذا ولا ذاك ولا .. فعربية القرآن لا تعني خصوص اللغة حتى تختص بأصحابها ، وإنما تعني وضوحها بين اللغات وعلى حدّ تعبير باقر العلوم في تفسير (عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) : يبين الألسن ولا تبينه الألسن ـ حيث يعرب دون تعقيد وقصور عن أعمق المعاني وأعضلها : (علم الله النازل إلى المكلفين أجمعين) بأوضح بيان وأجمله.
هنا لسان عربي مبين ، وهناك لغة (وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٦ : ١٠٣)
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٢٦ : ١٩٥) (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٩ ـ اخرج ابن مردوية قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ام القرى مكة. أقول وتمر عليك أحاديث بهذا المعنى تحت الأرقام ١ ـ ٢ و ٤ ـ في الصفحة الآتية.