الأعلى والركيزة الأولى في الدعوات الرسالية ، فإن حمله على التقوى أقوى من التبشير ، فكثير هؤلاء الذين لا يهمهم ما يبشّرون به من نفع ويهمهم ما ينذرون به من ضر ، ودفع الضرر أولى من جلب النفع ، والجمع أحرى!
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٨).
ماذا تعني وحدة الأمة المستحيلة بما توحيه «لو»؟ أوحدة تشريعية في شرعة وهي الشرعة الكاملة الأخيرة أن يكلف المكلفين عامة بهذه الشرعة منذ آدم إلى الخاتم؟ ف (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥ : ٤٨).
أم وحدة في ضلالة كما هم قبل البعثة : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢ : ٢١٣) أم وحدة في هداهم تكوينيا (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦ : ٣٥) جمعا لهم على الهدى والعصمة (١) دون اختيار؟ فهو انتقاص حيث الإختيار في الاهتداء اكتمال وليس كذلك الاضطرار.
أم يجمع من لا يهتدي بسوء الإختيار إلى من يهتدي بحسن الإختيار ، أن يجبر الأولين على الهدى؟ وهذه تسوية بين المتقين والفجار! : (أَمْ نَجْعَلُ
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٥٥٩ في تفسير علي بن ابراهيم في الآية قال : لو شاء ان يجعلهم كلهم معصومين مثل الملائكة بلا طباع لقدر عليه ولكن يدخل من يشاء في رحمته ..