وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) (١٣ : ١٥) فهذه السجدة وذلك التسليم تعطفان إلى طواعية شاملة للكون أمام أمر التكوين في بداية الخلق ونهايته ، فقد «خلق السماوات موطدات بلا عمد قائمات بلا سند ، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات غير متلكئات ولا مبطيات» (١) «ذلل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها وناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها» (٢) فقد كان التحامها ـ وعلّه بناءها سماء قبل سبعها ـ كان ذلك بدعائها والأرض «ائتيا» (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) فكان في إتيانهما بناء لهما ثان بعد دخان السماء وزبد الأرض أماذا؟
وفي (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) إشارة إلى حتمية إرادته ، أن لو كانت لهما خيرة لامتنعتا ، فإتيانهما ـ إذا ـ واقع كرها ، «قالتا» بلسان الكينونة والحال وواقع المحكي المقال : (أَتَيْنا طائِعِينَ)! فعل العاقل اللبيب والسامع المجيب جريا على المراد ووقوفا عند الحدود والأقدار ، من غير معاناة طويلة ولا مشقة شديدة ، فكانت في ذلك جارية مجرى الطائع المميز إذا انقاد إلى ما أمر به ووقف عند ما وقف عنده!
«فقضاهن» هل السماء فحسب؟ والإتيان بعد الأمر لهما دونها فحسب! أم لهما؟ وهذه جمع وهما اثنان! .. إنه قضاءهما سبعا ، سبعا في سبع ، علّ كل أرض استكنت في سماء أماذا؟ وما ألطفه تعبيرا أن الأرض ما كن السماء كسائر الأنجم حيث يحول حولها الفضاء ، ليست على قرني الثور أو ظهر الحوت أماذا من أماكن اختلقتها أيدي الجهل والجعل! (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) دورين من الأدوار الستة لخلق السماوات والأرض ، وذلك قضاء تكوين ثان للأرض والسماء ، أيا
__________________
(١ ، ٢). نهج البلاغة عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام).