عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(٤٤).
(وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ، كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ، لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢٦ : ٢٠١).
آيتان في سائر القرآن تفصحان عن النخوة العربية وجاه وحي القرآن أن لو كان أعجميا لزادوا في النكران ، مما يدل على مدى شقوتهم وتصلّبهم في قوميتهم لحد يجعلونها أصلا وحتى لصرح الإيمان ، فأولئك ينادون من مكان بعيد ، لتباعدهم عن طريق الرشد ، وإعراضهم عند دعاء الحق ، كأنهم من شدة التوائهم والذهاب بأسماعهم والانصراف بقلوبهم ينادون من مكان بعيد ، فالنداء غير مسمع لهم ولا واصل إليهم ، ولو سمعوه لضلّ عنهم فهمه للصد المنفرج بينهم وبينه ، إذ فصلت قوميتهم بينهم وبين سماع الحق والخضوع لديه ، وحتى حين نزّل عليهم القرآن عربيا فضلا عن جعله أعجميا إذ قالوا (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)! فما هم بصاغين الله لا عربيا ولا أعجميا.
والأعجمي من العجمة خلاف الإبانة ، والإعجام هو الإبهام ، والأعجم من في لسانه عجمة عربيا كان أم سواه ، ومنه قيل للبهيمة عجماء ، ولصلاة النهار عجماء ، إذ لا يجهر فيها بالقراءة ، وسميت الحروف المفردة معجمة لأنها لا تدل على ما تدل عليه الحروف الموصولة.
فالأعجمي بصورة عامة هو اللغة التي لا تفهمها ، من بهيمة فهي أعجمية ، أم فارسية أما ذا من لغات لست تفهمها ، أم وعربية لا تعرفها ، فكل لغة بالنسبة لمن لا يعرفها أعجمية ، فاللغات كلها أعجمية لغير أصحابها ، عربية لأصحابها ، وكما يعبر التوراة عن القرآن العربي بين العبرانيين أنه بلغة لكناء أعجمية كالنص التالي :