الشرّ عشرة أعشار فجعل عشر بالشام وتسعة أعشار في سائر الأرض ، وقال محمد بن عمر بن يزيد الصاغاني : إنّي لأجد ترداد الشام في الكتب حتى كأنّها ليست لله تعالى بشيء في الأرض حاجة إلّا بالشام ، وروي عن النبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، أنّه قال : الشام صفوة الله من بلاده وإليه يجتبي صفوته من عباده ، يا أهل اليمن عليكم بالشام فإن صفوة الله من الأرض الشام ، ألا من أبى فإن الله تعالى قد تكفّل لي بالشام ، وقال أبو الحسن المدائني : افترض أعرابيّ في الجند فأرسل في بعث إلى الشام ثمّ إلى ساحل البحر ، فقال :
أأنصر أهل الشام ممّن أكاءهم |
|
وأهلي بنجد ذاك حرص على النصر |
براغيث تؤذيني إذ النّاس نوّم ، |
|
وليل أقاسيه على ساحل البحر |
فإن يك بعث بعدها لم أعد له |
|
ولو صلصلوا للبحر منقوشة الحمر |
وهذا خبر زامل كان نازلا في أخواله كلب فأغار عليهم بنو القين بن جسر فأخذوا ماله فاستنصر أخواله فلم ينصروه فركب جملا وقصد الشام فنزل في روضة فأكل من نجمها وعقل بعيره واضطجع ، فما انتبه إلّا وحسّ فارسا قد نزل قريبا منه ، فقال له الفارس : من أنت؟ فانتسب له وقصّ عليه قصته ، فقال له الفارس : يا هذا هل عندك من طعام فإنّي طاو منذ أمس؟ فقال له : أتطلب الطعام وهذا اللحم المعرض؟
ثمّ وثب فنحر جمله واحتشّ حطبا وشوى وأطعم الفارس حتى اكتفى ، فلما لبث أن ثار العجاج وأقبلت الخيل إلى الفارس يحيونه بتحية الملوك ، فركب وقال : دونكم الرجل أردفوه ، فأردفه بعضهم فإذا هو الحارث الأكبر الغساني ، فأمر خدمه بإنزال الطائيّ وغفل عنه مدة ، فخاف زامل أن يكون قد نسيه فقال لحاجبه : أحبّ أن تبلغ هذه الأبيات إلى الحارث ، فأنشد :
أبلغ الحارث المردّد في المك |
|
رمات والمجد جدّا فجدّا (١) |
وابن أرباب واطئ العفر والأر |
|
حب والمالكين غورا ونجدا |
أنّني ناظر إليك ودوني |
|
عاتقات غاورن قربا وبعدا |
آزل نازل بمثوى كريم ، |
|
ناعم البال في مراح ومغدى |
غير أنّ الأوطان يجتذب المر |
|
ء إليها الهوى وإن عاش كدّا |
ونأتني بالشّآم مفيدي |
|
حسرات يقددن قلبي قدّا (٢) |
ليس يستعذب الغريب مقاما |
|
في سوى أرضه وإن نال جدّا |
فلمّا بلغت الأبيات الحارث قال : وا سوأتاه! كرم ولؤمنا ، وتيقظ ونمنا ، وأحسن وأسأنا! ثمّ أذن له فلمّا رآه قال : والله ما يدحض عارها عني إلّا أن أعطيك حتى ترضى ، ثمّ أمر له بمائة ناقة وألف شاة وعشرة عبيد وعشر إماء وعشرة أفراس من كرام خيله وألف دينار وقال : يا زامل أما إن الأوطان جواذب كما ذكرت فهل لك أن تؤثر المقام في مدينتنا تكنفك حمايتنا ويتفيأ لك ظلّنا وتسبل عليك صلتنا؟
فقال : أيّها الملك ما كنت لأوثر وطني عليك ولا ألقي مقاليدي إلّا إليك ، ثمّ أقام بالشام. وقال جبلة بن الأيهم وهو ببلاد الروم بعد أن تنصّر أنفة من غير أن يقتص في قصة فيها طول فذكرتها في أخبار
__________________
(١) الشطر الثاني مختل الوزن.
(٢) الشطر الأول مختل الوزن.