وما كانت لتخفى هذه الحقيقة على الحسين ، وما كان ابن عليّ ليبخل بدمه على دين جدّه ، كيف وهو القائل : «فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة مع الظّالمين إلّا برما» (١). رأى الحسين أنّ الأمويّين يخدعون النّاس باسم الإسلام ، كما يخدع عميل الإستعمار الشّعب باسم الإستقلال ، فأراد الإمام أن يفضحهم ، ويثبت للملأ أنّهم أعدى أعداء الإسلام ، فنهض باسم الدّين ، وحقوق المسلمين ، يمثّل شعور كلّ مسلم لا يستطيع الجهر بما ينوي ويضمر ، نهض وهو أعزل إلّا من الحقّ ، وجابه الباطل صاحب العدّة والعدد ، ودعا إلى كتاب الله ، وسنّة الرّسول ، فقتله الأمويون ، وذبحوا أطفال الرّسول وسبوا نساءه ، لا لشيء إلّا لأنّهم دعاة للدّين ، والحقّ ، فعرف النّاس بعد وقعة الطّفّ أنّ الأمويّين ما زالوا مشركين ، كما كانوا يوم بدر ، واحد ، والأحزاب ، وأنّهم لم يؤمنوا بالله ورسوله طرفة عين ، وأنّهم يضمرون للإسلام كلّ شرّ وعناد ، وقد صور الشّاعر هذه الحقيقة بقوله يصف يزيد بن معاوية (٢) :
لئن جرت لفظة التّوحيد في فمه |
|
فسيفه بسوى التّوحيد ما فتكا |
قد أصبح الدّين منه يشتكي سقما |
|
وما إلى أحد غير الحسين شكا |
فما رأى السّبط للدّين الحنيف شفا |
|
إلّا إذا دمه في كربلاء سفكا |
* * *
يا ويّح دهر جنى بالطّفّ بين بني |
|
محمّد وبني سفيان معتركا |
حاشا بني فاطم ما القوم كفؤهم |
|
شجاعة لا ولا جودا ولا نسكا |
ما ينقم النّاس منهم غير أنّهم |
|
ينهون أن تعبد الأوثان والشّركا |
__________________
(١) تقدّمت تخريجاته.
(٢) انظر ، ديوان سيّد جعفر الحلّي : ١٧٦.