وكان لفاجعة كربلاء دوي هائل اهتّزت له الدّنيا بكاملها ، حتّى كأنّ النّبيّ نفسه هو المقتول. وقامت الثّورات في كلّ مكان يتلو بعضها بعضا ، حتّى زالت دولة الأمويّين من الوجود ، وتمّت كلمة الله بالقضاء على الشّرك المستتر باسم الإسلام ، وهذا ما عناه الحسين بقوله لبني هاشم : «ومن تخلّف لم يبلغ الفتح ، والسّلام» (١).
وإذا أردت مثالا يوضّح هذه الحقيقة فانظر إلى المظاهرات الّتي تقوم بها الشّعوب ضدّ الحاكم الخائن ، فإنّ المتظاهرين يعلمون علم اليقين أنّه سيطلق عليهم النّار ، وأنّ القتلى ستقع منهم بالعشرات ، ومع ذلك يقدمون ولا يكترثون بالموت ، لأنّ غايتهم أن يفتضح هذا الخائن ، وأن يعرف العالم مقاصده ونواياه ، فينهار حكمه ، ويبيد سلطانه ، وتكون الدّماء البريئة ثمنا لتحرر البلاد من العبودية والإستغلال.
ومن هنا كان لأصحابها هذا التّقديس ، والتّعظيم ، تقام لهم التّماثيل في كلّ مكان ، وتسمّى باسمائهم فرق الجيش والشّوراع ، وتشاد الأندية والمعاهد ، ويرتفع شأن اسرهم إلى أعلى مكان ، ومن قبل لم يكونوا شيئا مذكورا.
ودماء كربلاء لم تكن ثمنا لحرّية فرد أو شعب أو جيل ، بل ثمنا للدّين الحنيف ، والإنسانيّة جمعاء ، ثمنا لكتاب الله وسنّة الرّسول ومن هنا كان لها ما للقرآن والإسلام من التّقديس والإجلال ، كما أنّ لدماء الأحرار ما لأوطانهم من التّكريم والتّعظيم ، وكان لبني هاشم اسرة الحسين ما كان لأسر الشّهداء الأحرار.
__________________
(١) انظر ، اللهوف في قتلى الطّفوف السّيّد ابن طاوس الحسني : ٤٠ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢٣٠.