لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به ... ورأيت النّاس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه ، ولا يضبط نفسه ، ولا يقوى على حمل فادح نزل به ، قد أذهب الجزع صبره ، وأذهل عقله ، وحال بينه وبين الفهم والإفهام ، والقول ، والأسماع» (١).
وطبيعي أن يصيب أهل البيت هذا ، وأكثر منه ، فأنّ تأثير المصاب بالفقيد ، أي فقيد يقاس بقدره وقيمته ...
وكفى الرّسول عظمة أن يقترن اسمه باسم الله ، ولا يقبل الإيمان والإعتراف بالله الواحد الأحد إلّا مع الإعتراف والإيمان برسول الله محمّد ...
هذا ، إلى أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله كان قد حدث أهل بيته بكلّ ما يجري عليهم من بعده ، وكرّره أكثر من مرّة على مسامعهم تصريحا وتلويحا ، حتّى ساعة الوفاة كان ينظر إلى وجوههم ويبكي ، ولمّا سئل قال : «أبكي لذّرّيتي ، وما تصنع بهم شرار أمّتي من بعدي»(٢).
شاهدت زينب وفاة جدّها الرّسول ، وما تركه من آثار ، وشاهدت محنة أمّها الزّهراء ، وندبها لأبيها في بيت الأحزان ، ودخول من دخل إلى خدرها ، وانتهاك حرمتها ، واغتصاب حقّها ، ومنع إرثها ، وكسر جنبها ، وإسقاط جنينها ، وسمعتها ، وهي تنادي فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ... وكلّنا يعلم علاقة البنت بالأمّ ، وتطلعها إليها ، وتأثرها بها تلقائيّا وبدون شعور.
__________________
(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٣٣ ، الخصال للشّيخ الصّدوق : ٣٧١ ، شرح الأخبار : ١ / ٣٤٦ ، الإختصاص للشّيخ المفيد : ١٧٠.
(٢) انظر ، أمالي الشّيخ الطّوسي : ١٨٨ ح ١٨.