وشاهدت قتل أبيها أمير المؤمنين ، وأثر الضّربة في رأسه ، وسريان السّم في جسده الشّريف ، ودموعه الطّاهرة الزّكية تفيض على خدّيه ، وهو يقلب طرفه بالنّظر إليها ، وإلى أخويها الحسنين.
وشاهدت أخاها الحسن أصفر اللّون يجود بنفسه ، ويلفظ كبده قطعا من أثر السّم (١) ، ورأت عائشة تمنع من دفنه مع جدّه ، وتركب بغلة ، وتصيح ، والله لا يدفن الحسن هنا أبدا (٢).
__________________
(١) روي أنّه لمّا وضع الطّشت بين يدي الحسن ، وهو يقذف كبده سمع أنّ أخته زينب تريد الدّخول عليه أمر برفع الطّشت إشفاقا عليها. (منه قدسسره). الرّواية على تقدير صحّتها نصّت على أنّ السّمّ أثر في كبده حتّى قاء بعضا منه ، وهذا ممّا يرفضه الطّبّ الحديث بل يقول : إنّ السّمّ يحدث إلتهابا في المعدة وبالتالي يؤدّي إلى هبوط في ضغط الدّم ويؤدّي إلى إلتهاب الكبد ، والكبد هو الجهاز الخاصّ في الجانب الأيمن الّذي يقوم بإفراز الصّفراء كما جاء في القاموس : ١ / ٣٣٢ ، تاج العروس : ٢ / ٤٨١ ، ويسمّى الجوف بكامله كبدا ، وهنا تكون الرّواية غير منافية للطّبّ حيث إنّه ألقى من جوفه قطعا من الدّم المتخثّر ، والّتي تشبه الكبد.
(٢) انظر ، الإصابة : ١ / ٣٣٠ ، تأريخ دمشق : ٨ / ٢٢٨ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٤٤ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٩ ، العقد الفريد : ٣ / ١٢٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٥١ ، رحلة ابن بطّوطزة : ٧٦ ، عيون الأخبار : ٢ / ٣١٤ ، الإمام الحسن بن عليّ للملطاوي : ٧٢ ، دلائل الإمامة : ٦١ ، المقاتل : ٧٤ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٦ / ٤٩ ـ ٥١ ، كفاية الطّالب : ٢٦٨ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ١٩٧.
الفتنة الكبرى :
اتّجهت مواكب التّشيّيع نحو المرقد النّبوي لتجدّد العهد بجدّه صلىاللهعليهوآله لكن لمّا علم الأمويون ذلك تجمّعوا وانضمّ بعضهم إلى بعض بدافع الأنانيّة والحقد والعداء للهاشميّين إلى إحداث شغب ومعارضة لدفن الإمام بجوار جدّه لأنّهم رأوا أنّ عميدهم عثمان دفن في حش كوكب ـ مقبرة اليهود ـ فكيف يدفن الحسن عليهالسلام مع جدّه فيكون ذلك عارا عليهم وخزيا فأخذوا يهتفون بلسان الجاهليّة الحمقاء : يا ربّ هيجاء ، هي خير من دعة ، أيدفن عثمان بأقصى المدينة ويدفن الحسن عند جدّه؟
وانعطف مروان بن الحكم وسعيد بن العاص نحو عائشة وهما يستفزّانها ويستنجدان بها لمناصرتهم ـ