أمّا ما شاهدته في كربلاء ، وحين مسراها إلى الكوفة ، والشّام مع العليل ، والنّساء ، والأطفال فيفوق الوصف ، وقد وضعت فيه كتب مستقلّة.
هكذا كانت حياة السّيّدة ، وبيئتها من يومها الأوّل إلى آخر يوم ، حياة مشبّعة بالأحزان ، متخمة بالآلام لا تجد منها مفرّا ، ولا لها مخرجا.
وبعد هذه الإشارة نقف قليلا لنرى كيف قابلت السّيّدة هذه الصّدمة والأحداث الجسام : هل أصابها ما يصيب النّساء في مثل هذه الحال من الإضطراب
__________________
ـ بذلك وهما يعرفان دخيلة عائشة وما تنطوي عليها نفسها بما تكنّه من الغيرة والحسد لولد فاطمة عليهاالسلام قائلين لها : يا أمّ المؤمنين ، إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله صلىاللهعليهوآله والله لئن دفن الحسن بجوار جدّه ليذهبنّ فخر أبيك ، وصاحبه عمر إلى يوم القيامة. فألهبت هذه الكلمات نار الثّورة في نفسها فاندفعت بغير اختيار لمناصرتهما راكبة على بغل وهي تقول : مالي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتى من لا أحبّ؟! وكادت أن تقع الفتنة بين بني هاشم وبني أميّة ، فبادر ابن عبّاس إلى مروان فقال له : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله بل نريد أن نجدّد العهد به ، ثمّ نردّه إلى جدّته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها لوصيته بذلك ، ولو كان وصّى بدفنه مع النّبيّ صلىاللهعليهوآله لعلمت أنّك أقصر باعا من ردّنا عن ذلك ، لكنّه عليهالسلام كان أعلم بالله ورسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه. ثمّ أقبل على عائشة فقال لها : وا سوأتاه! يوما على بغل ويوما على جمل ... وفي رواية قال ابن عبّاس : يوما تجمّلت ويوما تبغّلت ، وإن عشت تفيّلت ... فأخذه ابن الحجّاج الشّاعر البغدادي فقال :
يا بنت أبي بكر |
|
لا كان ولا كنت |
لك التّسع من الثّمن |
|
وبالكلّ تملّكت |
تجمّلت تبغّلت |
|
وإن عشت تفيّلت |
هذا الخبر رواه الفريقان من أهل السّنّة والشّيعة بتغيّر ببعض عباراته كلّ بحسب مذهبه.
انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٨٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١٨ ، و : ١٦ / ٤٩ ـ ٥١ ، تذكرة الخواصّ : ٢٢٣ ، تأريخ اليعقوبي : ١ / ٢٠٠ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٩٢ ، العقد الفريد : ٣ / ١٢٨ ، أنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٥٠ ، كتاب عائشة والسّياسة : ٢١٨ ، الإستيعاب : ١ / ٣٧٤ ، كفاية الطّالب : ٢٦٨ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٣٢٣ هامش رقم «٣».