«أمّا بعد : يا أهل الكوفة ، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ، ولا هدأت الرّنّة ، إنّما مثلكم مثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، ألا ساء ما تزرون.
«أي والله ، فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل أبدا وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النّبوّة ، ومعدن الرّسالة ومدار حجتكم ، ومنار محجتكم ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ....؟.
لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء. أتعجبون لو أمطرت دما.؟.
ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.
أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السّموات يتفطرن منه وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّا» (١).
ومن تأمّل خطبتها هذه ، وخطبة أمّها تلك يبدو له لأوّل نظرة وجه الشّبه بين الخطبتين ، وأنّهما تصدران من معدن واحد ، وترميان إلى هدف واحد ، وهو بثّ الدّعوة لأهل البيت ، ونشر فضائلهم ومحاسنهم ، ومثالب غيرهم ومساوئهم .. وإفهام النّاس جميعا أنّ الإسلام في حقيقته لا يقوم على التّلفظ بالشّهادة ، وتأدية الفرائض المكتوبة ، وكفى ، بل لا بدّ ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ من التّصديق بكلّ ما جاء به محمّد ، وممّا جاء به وجوب التّمسك بالكتاب والعترة «بنصّ حديث الثّقلين الّذي رواه مسلم وأحمد» (٢) ، ولكن المسلمين بعد نبيّهم نبذوا الكتاب ،
__________________
(١) انظر ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٨٧ ، مثير الأحزان : ٦٧ ، الإحتجاج : ٢ / ٩٦.
(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٤ / فضائل عليّ ح ٣٦ و ٣٧ و : ٧ / ١٢٠ ، مسند أحمد : ١ / ١٧٠ و ١٧٣ ـ