وموازنة جريئة ، وحجاجا عربيّا صريحا ، مؤسّسا على نظرة العربي الّذي هذّبه الإسلام للرّياسة ، وبيت الرّياسة ، فأسبق النّاس إلى الإسلام ، وأمسهم رحما بالرّسول ، وأشدّهم جهادا للعدوّ وبلاء في نصرة الدّين ، أحقّ النّاس بخلافة المسلمين وزعامتهم ، وذلك كلّه قد إجتمع لعليّ ابن أبي طالب ، لفضله ، وسبقه ر ، وقرابته ، وجهاده.
كانت حادثة كربلاء ، تلك الحادثة المروّعة المشئومة ، فاتحة طور جديد من أطوار هذا الأدب الشّيعي ... كما كانت ذات أثر عميق في النّفوس الإسلاميّة ، والعقائد الشّيعيّة ، والحياة السّياسيّة ؛ والواقع أنّ قتل الحسين على هذه الصّورة الغادرة ، والحسين هو من هو دينا ومكانة بين المسلمين لا بدّ أن يلهب المشاعر ، ويرهف الأحاسيس ، ويطلق الألسن ، ويترك في النّفس الإسلاميّة أثرا حزينا داميا ، ويجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.
نعم. ولا بدّ أن ينكر النّاس هذا التّنكيل الجائر ، والتّمثيل الشّائن بعترة الرّسول ، وسلالته ، وفلذّات كبده ، وقرّة عينه ، ويروا فيه إذاية له ، وكفرانا بحقّه ، وتعرضا لغضبه (١) :
ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم |
|
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم |
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي |
|
منهم اسارى وقتلى ضرّجوا بدم |
__________________
(١) اختلف في نسبت هذه الأبيات ، انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٥٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٩٤ ، ذخائر العقبى : ١٥٠ ، اللهوف لابن طاووس : ٩٦ ، الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٦ ، الآثار الباقية للبيروني : ٣٢٩ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٦٨ ، و : ٤ / ٣٥٧ طبعة آخر ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ٢١٢ ، مجمع الزّوائد للهيثمي : ٩ / ٢٠٠ ، كفاية الطّالب في مناقب عليّ بن أبي طالب للحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي : ٤٤١ ، تأريخ ابن عساكر : ٤ / ٣٤٢ ، ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطّبري : ١٥٠.