ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم |
|
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي |
فبهذا وأمثاله قامت النّائحات في العواصم الإسلاميّة يندبنّ الحسين ، ويبكينّ مصرعه ، وبهذا وأمثاله انطلقت الألسن الشّاعرة ترثي ابن بنت الرّسول ، وتصور أسف النّبيّ في قبره ، وحزنه على سبطه ، واحتجاجه على أمّته ، وتلقي على بني حرب سوء فعلهم ، وقبح ضلالتهم ، وجور سلطانهم ، وتسجل ، في صراحة وعنف ، مروقهم عن الدّين وإنتهاكهم لحرم الله.
وهال النّاس هذا الحادث الجلل ، حتّى الأمويّين أنفسهم ، فأقضّ المضاجع ، وأذهل العقول ، وارتسم في الأذهان ، وصار شغل الجماهير ، وحديث النّوادي.
ومكث النّاس شهرين أو ثلاثة كأنّما تلطّخ الحوائط بالدّماء ساعة تطلع الشّمس ، حتّى ترتفع ، ورأى من حمل رأس الحسين نورا يسطع مثل العمود إلى الرّأس وطيرا بيضاء ترفرف حوله ، ورأى ابن عبّاس النّبيّ في اللّيلة الّتي قتل فيها الحسين ، وبيده قارورة ، وهو يجمع فيها دماء. فسأله : ما هذا يا رسول الله؟
قال : دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى الله تعالى.
وأمثال هذا كثير ، نراه في الطّبري ، وابن الأثير ، والأغاني ، والعقد الفريد ، وصبح الأعشى (١).
ومهما يكن من شيء ، فقد صبغت حادثة الحسين ، ولا تزال تصبغ أدب الشّيعة بالحزن العميق ، والرّثاء النّائح ، والمدح المبتهل ، والعصبية الحاقدة ، وأمدته بمدد زاخر من المعاني والأخيلة والعواطف ، فعززت مادته ، واتّسع
__________________
(١) وابن حجر ، والثّعلبي ، وأبو نعيم ، وسبط ابن الجوزي ، والبيهقي ، وابن سيرين ، وابن القفطي ، والتّرمذي ، وغيرهم. (منه قدسسره).