مجال القول فيه ، وغدونا أمام أدب تبعثه عاطفتان بارزتان : عاطفة الحزن ، وعاطفة الغضب ، تصدره الأولى حزينا باكيا ، وتبعثه الثّانية قويّا ثائرا.
والعاطفة أقوى دعائم الأدب ، فإذا أثيرت وهاجت ، وكان بجانبها لسان طلق ، وبيان ناصع ، ونفس شاعرة متوثبة ، فهناك الأدب الحي ، والقول السّاحر ، وكذلك كان الشّيعة. تجمعت لهم كلّ عناصر الأدب : لسان وعاطفة ، وفواجع من شأنها أن تستنزف الدّم ، وتذيب القلب ، وتنطق الأخرس ، فقالوا ، وبكوا : قالوا في الحقّ وطلبه ، والإرث وغصبه.
وبكوا على حقّ ضاع ، ودام أريق ، وحرمات انتهكت ، وبيوت دمّرت ، وجثث كريمة على الله والنّاس مثّل بها أبشع تمثيل ، وافتتان أموي أثيم في الفتك بالطّالبيّين وشيعتهم ، فقتل ، وصلب ، وإحراق ، وتذرية ، وهم يقابلون ذلك بالشّجاعة ، والصّبر ، والإحتساب.
وكانت القصائد الباكية ، والخطب الرّائعة ، والأقوال الدّامية (١) صدى لهذه الدّماء المسفوحة ، والجثث المطروحة ، تبعث ذكرها في كلّ قلب حزنا ، فيبعث الحزن أدبا ، يصور الآلآم ، ويعلن الفضائل ، ويستميل القلوب ، ويسجل العقائد ، ويشرح القضية الشّيعيّة ، ويحتج لها في صراحة وعنف ، فيتناولها من أطرافها ، متفننا في كلّ ذلك ، فمفاضلة جريئة ، ومعارضة شديدة ، ومناقشة فقهية ، ودعاية حزبيّة».
نقلنا هذه المقتطفات ، وهي قليل من كثير :
أوّلا : لأنّها تتّصل اتّصالا وثيقا بموضوع الكتاب.
__________________
(١) والمؤلّفات الّتي ملأت المكاتب في الفضائل والمناقب.