(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢٧)
____________________________________
بعد تهدم القواعد شبهت حال أولئك الماكرين فى تسويتهم المكايد والمنصوبات التى أردوا بها الإيقاع برسل الله سبحانه وفى إبطاله تعالى تلك الحيل والمكايد وجعله إياها أسبابا لهلاكهم بحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين فأتى ذلك من قبل أساطينه بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف فهلكوا وقرىء فخر* عليهم السقف بضمتين (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ) أى الهلاك والدمار (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه منه بل يتوقعون إتيان مقابله مما يريدون ويشتهون والمعنى أن هؤلاء الماكرين القائلين للقرآن العظيم أساطير الأولين سيأتيهم من العذاب مثل ما أتاهم وهم لا يحتسبون والمراد به العذاب العاجل لقوله سبحانه (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) فإنه عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى هذا الذى فهم من التمثيل من عذاب هؤلاء أو ما هو أعم منه ومما ذكر من عذاب أولئك جزاؤهم فى الدنيا ويوم القيامة يخزيهم أى يذلهم بعذاب الخزى على رءوس الأشهاد وأصل الخزى ذل يستحيى منه وثم للإيماء إلى ما بين الجزاءين من التفاوت مع ما يدل عليه من التراخى الزمانى وتغيير السبك بتقديم الظرف ليس لقصر الخزى على يوم القيامة كما هو المتبادر من تقدير الظرف على الفعل بل لأن الإخبار بجزائهم فى الدنيا مؤذن بأن لهم جزاء أخرويا فتقى النفس مترقبة إلى وروده سائلة عنه بأنه ماذا مع تيقنها بأنه فى الآخرة فسيق الكلام على وجه يؤذن بأن المقصود بالذكر إخزاؤهم لا كونه يوم القيامة والضمير إما للمفترين فى حق القرآن الكريم أو لهم ولمن مثلوا بهم من الماكرين كما أشير إليه وتخصيصه بهم يأباه السباق والسياق كما ستقف* عليه (وَيَقُولُ) لهم تفضيحا وتوبيخا فهو الخ بيان للإخزاء (أَيْنَ شُرَكائِيَ) أضافهم إليه سبحانه حكاية* لإضافتهم الكاذبة ففيه توبيخ إثر توبيخ مع الاستهزاء بهم (الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أى تخاصمون الأنبياء والمؤمنين فى شأنهم بأنهم شركاء حقا حين بينوا لكم بطلانها والمراد بالاستفهام استحضارها للشفاعة أو المدافعة على طريقة الاستهزاء والتبكيت والاستفسار عن مكانهم لا يوجب غيبتهم حقيقة حتى يعتذر بأنهم يجوز أن يحال بينهم وبين عبدتهم حينئذ ليتفقدوها فى ساعة علقوا بها الرجاء فيها أو بأنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم غيب بل يكفى فى ذلك عدم حضورهم بالعنوان الذى كانوا يزعمون أنهم متصفون من عنوان الإلهية فليس هناك شركاء ولا أماكنها على أن قوله ليتفقدوا ليس بسديد فإنه قد تبين عندهم الأمر حينئذ فرجعوا عن ذلك الزعم الباطل فكيف يتصور منهم التفقد وقرىء بكسر النون أى تشاقوننى على أن مشاقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين لا سيما فى شأن متعلق به سبحانه مشاقة له عزوجل* (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من أهل الموقف وهم الأنبياء والمؤمنون الذين أوتوا علما بدلائل التوحيد وكانوا يدعونهم فى الدنيا إلى التوحيد فيجادلونهم ويتكبرون عليهم أى توبيخا لهم وإظهارا للشماته بهم وتقريرا لما كانوا يعظونهم وتحقيقا لما أوعدوهم به وإيثار صيغة الماضى الدلالة على تحققه وتحتم وقوعه حسبما هو