(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٤)
____________________________________
وفائدته الإيذان بأن ملاك الأمر فى التقوى هو الطهارة عما ذكر إلى وقت توفيهم ففيه حث للمؤمنين على الاستمرار على ذلك ولغيرهم على تحصيله وقيل فرحين طيبى النفوس ببشارة الملائكة إياهم بالجنة أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفسهم بالكلية إلى جناب القدس (يَقُولُونَ) حال من الملائكة أى قائلين لهم (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) قال القرظى رحمهالله إذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت عليهالسلام فقال السلام عليك يا ولى الله الله تعالى يقرأ عليك السلام وبشره بالجنة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) اللام للعهد أى جنات عدن الخ* ولذلك جردت عن النعت والمراد دخولهم لها فى وقته فإن ذلك بشارة عظيمة وإن تراخى المبشر به لا دخول القبر الذى هو روضة من رياضها إذ ليس فى البشارة به ما فى البشارة بدخول نفس الجنة (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بسبب ثباتكم على التقوى والطاعة أو بالذى كنتم تعملونه من ذلك وقيل المراد بالتوفى التوفى للحشر لأن الأمر بالدخول حينئذ يتحقق (هَلْ يَنْظُرُونَ) أى ما ينتظر كفار مكة المار ذكرهم (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم بالعذاب جعلوا منتظرين لذلك وشتان بينهم وبين انتظاره لا لأنه يلحقهم البتة لحوق الأمر المنتظر بل لمباشرتهم لأسبابه الموجبة المؤدية إليه فكأنهم يقصدون إتيانه ويترصدون لوروده وقرىء بتذكير الفصل (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى* ضميره صلىاللهعليهوسلم إشعار بأن إتيانه لطف به صلىاللهعليهوسلم وإن كان عذابا عليهم والمراد بالأمر العذاب الدنيوى لا القيامة لكن لا لأن انتظارها يجامع انتظار إتيان الملائكة فلا يلائمه العطف بأو لأنها ليست نصا فى العناد إذ يجوز أن يعتبر منع الخلو ويراد بإيرادها كفاية كل واحد من الأمرين فى عذابهم بل لأن قوله تعالى فيما سيأتى (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فَأَصابَهُمْ) الآية صريح فى أن المراد به ما أصابهم من العذاب الدنيوى (كَذلِكَ) أى مثل فعل هؤلاء من الشرك والظلم والتكذيب والاستهزاء (فَعَلَ الَّذِينَ) خلوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) من* الأمم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بما سيتلى من عذابهم (وَلكِنْ كانُوا) بما كانوا مستمرين عليه من القبائح الموجبة* لذلك (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) كان الظاهر أن يقال ولكن كانوا هم الظالمين كما فى سورة الزخرف لكنه أوثر* ما عليه النظم الكريم لإفادة أن غائلة ظلمهم آيلة إليهم وعاقبته مقصورة عليهم مع استلزام اقتصار ظلم كل أحد على نفسه من حيث الوقوع اقتصاره عليه من حيث الصدور وقد مر تحقيقه فى سورة يونس (فَأَصابَهُمْ) عطف على قوله تعالى (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وما بينهما اعتراض لبيان أن فعلهم ذلك ظلم لأنفسهم (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أى أجزية أعمالهم السيئة على طريقة تسمية المسبب باسم سببه إيذانا بفظاعته* لا على حذف المضاف فإنه يوهم أن لهم أعمالا غير سيئاتهم (وَحاقَ بِهِمْ) أى أحاط بهم من الحيق الذى* هو إحاطة الشر وهو أبلغ من الإصابة وأفظع (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب