(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٩٨)
____________________________________
أفرادها المتفاوتة فى مراتب الحسن بأن نجزى الحسن منها بالأجر الحسن والأحسن بالأحسن وفيه ما لا يخفى من العدة الجميلة باغتفار ما عسى يعتريهم فى تضاعيف الصبر من بعض جزع ونظمه فى سلك الصبر الجميل أو لنجزينهم بجزاء أحسن من أعمالهم وأما التفسير بما ترجح فعله من أعمالهم كالواجبات والمندوبات أو بما ترجح تركه أيضا كالمحرمات والمكروهات دلالة على أن ذلك هو المدار للجزاء دون ما يستوى فعله وتركه كالمباحات فلا يساعده مقام الحث على الثبات على ما هم عليه من الأعمال الحسنة المخصوصة والترغيب فى تحصيل ثمراتها بل التعرض لإخراج بعض أعمالهم عن مدارية الجزاء من قبيل تحجير الرحمة الواسعة فى مقام توسيع حماها (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) أى عملا صالحا أى عمل كان وهذا شروع فى تحريض كافة المؤمنين على كل عمل صالح غب ترغيب طائفة منهم فى الثبات على ما هم عليه من عمل صالح مخصوص دفعا لتوهم اختصاص الأجر الموفور بهم وبعملهم المذكور وقوله تعالى (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) * مبالغة فى بيان شموله للكل (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) قيده به إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة فى استحقاق الثواب أو* تخفيف العذاب لقوله تعالى (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) وإيثار إيراده بالجملة الاسمية الحالية على نظمه فى سلك الصلة لإفادة وجوب دوامه ومقارنته للعمل الصالح (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) فى* الدنيا يعيش عيشا طيبا أما إن كان موسرا فظاهر وأما إن كان معسرا فيطيب عيشه بالقناعة والرضى بالقسمة وتوقع الأجر العظيم كالصائم يطيب نهاره بملاحظة نعيم ليله بخلاف الفاجر فإنه إن كان معسرا فظاهر وإن كان موسرا فلا يدعه الحرص وخوف الفوات أن يتهنأ بعيشه (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) فى الآخرة* (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) حسبما نفعل بالصابرين فليس فيه شائبة تكرار والجمع فى الضمائر العائدة* إلى الموصول لمراعاة جانب المعنى كما أن الإفراد فيما سلف لرعاية جانب اللفظ وإيثار ذلك على العكس لما أن وقوع الجزاء بطريق الاجتماع المناسب للجمعية ووقوع ما فى حين الصلة وما يترتب عليه بطريق الافتراق والتعاقب الملائم للإفراد وإذ قد انتهى الأمر إلى أن مدار الجزاء المذكور هو صلاح العمل وحسنه رتب عليه بالفاء الإرشاد إلى ما به يحسن العمل الصالح ويخلص عن شوب الفساد فقيل (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) أى إذا أردت قراءته عبر بها عن إرادتها على طريقة إطلاق اسم المسبب على السبب إيذانا بأن المراد هى الإرادة المتصلة بالقراءة (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) فاسأله عز جاره أن يعيذك (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) من* وساوسه وخطراته كيلا يوسوسك عند القراءة فإن له همة بذلك قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) الآية وتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها لغيره صلىاللهعليهوسلم وفى سائر الأعمال