(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣)
____________________________________
كل وقت له مقتض غير مقتضى الآخر فكم من مصلحة فى وقت تنقلب فى وقت آخر مفسدة وبالعكس لانقلاب الأمور الداعية إلى ذلك وما الشرائع إلا مصالح للعباد فى المعاش والمعاد تدور حسبما تدور المصالح والجملة إما معترضة لتوبيخ الكفرة والتنبيه على فساد رأيهم وفى الالتفات إلى الغيبة مع إسناد الخبر إلى الاسم الجليل المستجمع للصفات ما لا يخفى من تربية المهابة وتحقيق معنى الاعتراض أو حالية وقرىء بالتخفيف من الإنزال (قالُوا) أى الكفرة الجاهلون بحكمة النسخ (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) أى متقول على الله* تعالى تأمر بشىء ثم يبدو لك فتنهى عنه وحكاية هذا القول عنهم ههنا للإيذان بأن ذلك كفرة ناشئة من نزغات الشياطين وأنه وليهم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أى لا يعلمون شيئا أصلا أولا يعلمون أن فى النسخ* حكما بالغة وإسناد هذا الحكم إلى الأكثر لما أن منهم من يعلم ذلك وإنما ينكره عنادا (قُلْ نَزَّلَهُ) أى القرآن المدلول عليه بالآية (رُوحُ الْقُدُسِ) يعنى جبريل عليهالسلام أى الروح المطهر من الأدناس البشرية* وإضافة الروح إلى القدس وهو الطهر كإضافة حاتم إلى الجود حيث قيل حاتم الجود للمبالغة فى ذلك الوصف كأنه طبع منه وفى صيغة التفعيل فى الموضعين إشعار بأن التدريج فى الإنزال مما تقتضيه الحكم البالغة (مِنْ رَبِّكَ) فى إضافة الرب إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم من الدلالة على تحقيق إفاضة آثار الربوبية عليه صلىاللهعليهوسلم* ما ليس فى إضافته إلى ياء المتكلم المبنية على التلقين المحض (بِالْحَقِّ) أى ملتبسا بالحق الثابت الموافق للحكمة* المقتضية له بحيث لا يفارقها إنشاء ونسخا وفيه دلالة على أن النسخ حق (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) على الإيمان* بأنه كلامه تعالى فإنهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية المصالح اللائقة بالحال رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم وقرىء ليثبت من الإفعال (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) المنقادين لحكمه تعالى وهما* معطوفان على محل ليثبت أى تثبيتا وهداية وبشارة وفيه تعريض بحصول أضداد الأمور المذكورة لمن سواهم من الكفار (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ) غير ما نقل عنهم من المقالة الشنعاء (إِنَّما يُعَلِّمُهُ) أى القرآن (بَشَرٌ) على طريق البت مع ظهور أنه نزله روح القدس عليه الصلاة والسلام وتحلية الجملة بفنون* التأكيد لتحقيق ما تتضمنه من الوعيد وصيغة الاستقبال لإفادة استمرار العلم بحسب الاستمرار التجددى فى متعلقه فإنهم مستمرون على تفوه تلك العظيمة يعنون بذلك جبر الرومى غلام عامر بن الحضرمى وقيل جبرا ويسيرا كانا يصنعان السيف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم يمر عليهما ويسمع ما يقرآنه. قيل عابسا غلام حويطب بن عبد العزى قد أسلم وكان صاحب كتب وقيل سلمان الفارسى وإنما لم يصرح باسم من زعموا أنه يعلمه مع كونه أدخل فى ظهور كذبهم للإيذان بأن مدار خطابهم ليس بنسبته عليهالسلام إلى التعلم من شخص معين بل من البشر كائنا من كان مع كونه عليه