(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (١١)
____________________________________
* توبة أخرى وانزجرتم عما كنتم عليه من المعاصى (وَإِنْ عُدْتُمْ) إلى ما كنتم فيه من الفساد مرة أخرى* (عُدْنا) إلى عقوبتكم ولقد عادوا فأعاد الله سبحانه عليهم النقمة بأن سلط عليهم الأكاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الإتاوة ونحو ذلك وعن الحسن عادوا فبعث الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم فهم يعطون* الجزية عن يدوهم صاغرون وعن قتادة مثله (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أى محبسا لا يستطيعون الخروج منها أبد الآبدين وقيل بساطا كما يبسط الحصير وإنما عدل عن أن يقال وجعلنا جهنم لكم تسجيلا على كفرهم بالعود وذما لهم بذلك وإشعارا بعلة الحكم (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ) الذى آتيناكه (يَهْدِي) أى الناس* كافة لا فرقة مخصوصة منهم كدأب الكتاب الذى آتيناه موسى (لِلَّتِي) للطريقة التى (هِيَ أَقْوَمُ) أى أقوم الطرائق وأسدها أعنى ملة الإسلام والتوحيد وترك ذكرها ليس لقصد التعميم لها وللحالة والخصلة ونحوها مما يعبر به عن المقصد المذكور بل للإيذان بالغنى عن التصريح بها لغاية ظهورها لا سيما بعد ذكر الهداية التى هى من روادفها والمراد بهدايته لها كونه بحيث يهتدى إليها من يتمسك به لا تحصيل* الاهتداء بالفعل فإنه مخصوص بالمؤمنين حينئذ (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) بما فى تضاعيفه من الأحكام والشرائع* وقرىء بالتخفيف (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) التى شرحت فيه (أَنَّ لَهُمْ) أى بأن لهم بمقابلة تلك الأعمال (أَجْراً كَبِيراً) بحسب الذات وبحسب التضعيف عشر مرات فصاعدا (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وأحكامها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاء وتخصيصها بالذكر من بين سائر ما كفروا به لكونها* معظم ما أمروا بالإيمان به ولمراعاة التناسب بين أعمالهم وجزائها الذى أنبأ عنه قوله عزوجل (أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) وهو عذاب جهنم أى أعتدنا لهم فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة عذابا أليما وهو أبلغ فى الزجر لما أن إتيان العذاب من حيث لا يحتسب أفظع وأفجع والجملة معطوفة على جملة ببشر باضمار يخبر أو على قوله تعالى (أَنَّ لَهُمْ) داخلة معه تحت التبشير المراد به مجازا مطلق الإخبار المنتظم للإخبار بالخبر السار وبالنبأ الضار حقيقة فيكون ذلك بيانا لهداية القرآن بالترغيب والترهيب ويجوز كون التبشير بمعناه والمراد تبشير المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم وقوله تعالى (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ) بيان لحال المهدى إثر بيان حال الهادى وإظهار لما بينهما من التباين والمراد بالإنسان الجنس أسند إليه حال بعض أفراده أو حكى عنه حاله فى بعض أحيانه فالمعنى على الأول أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذى لا خير فوقه من الأجر الكبير ويحذره من الشر الذى لا شر وراءه من العذاب الأليم وهو أى