(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (١٢)
____________________________________
بعض منه وهو الكافر يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب المذكور إما بلسانه حقيقة كدأب من قال منهم اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ومن قال فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين إلى غير ذلك مما حكى عنهم وإما بأعمالهم السيئة المفضية إليه الموجبة له مجازا كما هو ديدن كلهم (دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) أى مثل دعائه بالخير المذكور فرضا لا تحقيقا فإنه بمعزل من الدعاء* به وفيه رمز إلى أنه اللائق بحاله (وَكانَ الْإِنْسانُ) أى من أسند إليه الدعاء المذكور من أفراده (عَجُولاً) * يسارع إلى طلب ما يخطر بباله متعاميا عن ضرره أو مبالغا فى العجلة يستعجل العذاب وهو آتيه لا محالة ففيه نوع تهكم به وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم تحمل العجولية على اللج والتمادى فى استيجاب العذاب بتلك الأعمال وعلى الثانى إن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير وهو فى بعض أحيانه كما عند الغضب يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر وكان الإنسان بحسب جبلته عجولا ضجرا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه روى أنه عليه الصلاة والسلام دفع إلى سودة أسيرا فارخت كتافه رحمة لأنينه بالليل من ألم القيد فهرب فلما أخبر به النبى صلىاللهعليهوسلم قال اللهم اقطع يدينها فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة فقال صلىاللهعليهوسلم إنى سألت الله تعالى أن يجعل دعائى على من لا يستحق من أهلى عذابا رحمة أو يدعو بما هو شر وهو يحسبه خيرا وكان الإنسان عجولا غير متبصر لا يتدبر فى أموره حق التدبر ليتحقق ما هو خير حقيق بالدعاء به وما هو شر جدير بالاستعاذة منه (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) شروع فى بيان بعض وجوه ما ذكر من الهداية بالإرشاد إلى مسلك الاستدلال بالآيات والدلائل الآفاقية التى كل واحدة منها برهان نير لا ريب فيه ومنهاج بين لا يضل من ينتحيه فإن الجعل المذكور وما عطف عليه من محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة وإن كانت من الهدايات التكوينية لكن الإخبار بذلك من الهدايات القرآنية المنبهة على تلك الهدايات وتقديم الليل لمراعاة الترتيب الوجودى إذ منه ينسلخ النهار وفيه تظهر غرر الشهور ولو أن الليلة أضيفت إلى ما قبلها من النهار لكانت من شهر وصاحبها من شهر آخر ولترتيب غاية آية النهار عليها بلا واسطة أى جعلنا الملوين بهيآتهما وتعاقبهما واختلافهما فى الطول والقصر على وتيرة عجيبة يحار فى فهمها العقول آيتين تدلان على أن لهما صانعا حكيما قادرا عليما وتهديان إلى ما هدى إليه القرآن الكريم من ملة الإسلام والتوحيد (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) الإضافة إما بيانية كما فى إضافة العدد إلى المعدود أى محونا* الآية التى هى الليل وفائدتها تحقيق مضمون الجملة السابقة ومحوها جعلها ممحوة الضوء مطموسته لكن لا بعد أن لم يكن كذلك بل إبداعها على ذلك كما فى قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل أى أنشأهما كذلك والفاء تفسيرية لأن المحو المذكور وما عطف عليه ليسا مما يحصل عقيب جعل الجديدين آيتين بل هما من جملة ذلك الجعل ومتمماته (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ) أى الآية التى هى النهار على نحو ما مر (مُبْصِرَةً) *