(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥)
____________________________________
(وَكُلَّ إِنسانٍ) مكلف (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) أى عمله الصادر عنه باختياره حسبما قدر له كأنه طار إليه من عش الغيب ووكر القدر أو ما وقع له فى القسمة الأزلية الواقعة حسب استحقاقه فى العلم الأزلى من قولهم طار له سهم كذا (فِي عُنُقِهِ) تصوير لشدة اللزوم وكمال الارتباط أى ألزمناه عمله بحيث لا يفارقه أبدا بل يلزمه* لزوم القلادة أو الغل للعنق لا ينفك عنه بحال وقرىء بسكون النون (وَنُخْرِجُ لَهُ) بنون العظمة وقد قرىء* بالياء مبنيا للفاعل على أن الضمير لله عزوجل وللمفعول والضمير للطائر كما فى قراءة يخرج من الخروج (يَوْمَ الْقِيامَةِ) والبعث للحساب (كِتاباً) مسطورا فيه ما ذكر من عمله نقيرا وقطميرا وهو مفعول لنخرج* على القراءتين الأوليين أو حال من المفعول المحذوف الراجع إلى الطائر وعلى الأخريين حال من المستتر فى الفعل من ضمير الطائر (يَلْقاهُ) أى يلقى الإنسان أو يلقاه الإنسان (مَنْشُوراً) وهما صفتان للكتاب* أو الأولى صفة والثانى حال منها وقرىء يلقاه من لقيته كذا أى يلقى الإنسان إياه قال الحسن بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان فهما عن يمينك وعن شمالك فأما الذى عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذى عن شمالك فيحفظ سيئاتك حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت معك فى قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة (اقْرَأْ كِتابَكَ) أى قائلين لك ذلك. عن قتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن فى الدنيا قارئا وقيل المراد بالكتاب نفسه المنتقشة بآثار أعماله فإن كل عمل يصدر من الإنسان خيرا أو شرا يحدث منه فى جوهر روحه أمر مخصوص إلا أنه يخفى مادام الروح متعلقا بالبدن مشتغلا بواردات الحواس والقوى فإذا انقطعت علاقته عن البدن قامت قيامته لأن النفس كانت ساكنة مستقرة فى الجسد وعند ذلك قامت وتوجهت نحو الصعود إلى العالم العلوى فيزول الغطاء وتنكشف الأحوال ويظهر على لوح النفس نقش كل شىء عمله فى مدة عمره وهذا معنى الكتابة والقراءة (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أى كفى نفسك* والباء زائدة واليوم ظرف لكفى وحسيبا تمييز وعلى صلته لأنه بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافى ووضع موضع الشهيد لأنه يكفى المدعى ما أهمه وتذكيره لأن ما ذكر من الحساب والكفاية مما يتولاه الرجال أو لأنه مبنى على تأويل النفس بالشخص على أنها عبارة عن نفس المذكر كقول جبلة بن حريث[يا نفس إنك باللذات مسرور * فاذكر فهل ينفعنك اليوم تذكير] (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) فذلكة لما تقدم من بيان كون القرآن هاديا لأقوم الطرائق ولزوم الأعمال لأصحابها أى من اهتدى بهدايته وعمل بما فى تضاعيفه من الأحكام وانتهى عمانهاه عنه فإنما تعود