(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) (٧٣)
____________________________________
فعلنا بهم فى الدنيا ما فعلنا من التكريم والتفضيل وهذا شروع فى بيان تفاوت أحوالهم فى الآخرة بحسب أحوالهم وأعمالهم فى الدنيا (بِإِمامِهِمْ) أى بمن ائتموا به من نبى أو مقدم فى الدين أو كتاب أو دين وقيل* بكتاب أعمالهم التى قدموها فيقال يا أصحاب كتاب الخير يا أصحاب كتاب الشر أو يا أهل دين كذايا أهل كتاب كذا وقيل الإمام جمع أم كخف وخفاف والحكمة فى دعوتهم بأمهاتهم إجلال عيسى عليهالسلام وتشريف الحسنين رضى الله عنهما والستر على أولاد الزنا (فَمَنْ أُوتِيَ) يومئذ من أولئك المدعوين (كِتابَهُ) صحيفة* أعماله (بِيَمِينِهِ) إبانة لخطر الكتاب المؤتى وتشريفا لصاحبه وتبشيرا له من أول الأمر بما فى مطاويه* (فَأُولئِكَ) إشارة إلى من باعتبار معناه إيذانا بأنهم حزب مجتمعون على شأن جليل أو إشعارا بأن قراءتهم* لكتبهم تكون على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد كما فى حال الإيتاء وما فيه من الدلالة على البعد للإشعار برفعة درجاتهم أى أولئك المختصون بتلك الكرامة التى يشعر بها الإيتاء المزبور (يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) الذى أوتوه على الوجه المبين تبجحا بما سطر فيه من الحسنات المستتبعة لفنون الكرامات (وَلا يُظْلَمُونَ) أى لا ينقصون من أجور أعمالهم المرتسمة فى كتبهم بل يؤتونها مضاعفة (فَتِيلاً) أى قدر* فتيل وهو القشرة التى فى شق النواة أو أدنى شىء فإن الفتيل مثل فى القلة والحقارة (وَمَنْ كانَ) من المدعوين المذكورين (فِي هذِهِ) الدنيا التى فعل بهم فيها ما فعل من فنون التكريم والتفضيل (أَعْمى) فاقد البصيرة* لا يهتدى إلى رشده ولا يعرف ما أوليناه من نعمة التكرمة والتفضيل فضلا عن شكرها والقيام بحقوقها ولا يستعمل ما أودعناه فيه من العقول والقوى فيما خلقن له من العلوم والمعارف الحقة (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) * التى عبر عنها بيوم ندعو (أَعْمى) كذلك أى لا يهتدى إلى ما ينجيه ولا يظفر بما يجديه لأن العمى الأول* موجب للثانى وقد جوز كون الثانى بمعنى التفضيل على أن عماه فى الآخرة أشد من عماه فى الدنيا ولذلك قرأ أبو عمرو الأول مما لا والثانى مفخما (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أى من الأعمى لزوال الاستعداد الممكن* وتعطل الآلات بالكلية وهذا بعينه هو الذى أوتى كتابه بشماله بدلالة حال ما سبق من الفريق المقابل له ولعل العدول عن ذكره بذلك العنوان مع أنه الذى يستدعيه حسن المقابلة حسبما هو الواقع فى سورة الحاقة وسورة الانشقاق للإيذان بالعلة الموجبة له كما فى قوله تعالى (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) بعد قوله تعالى (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) وللرمز إلى علة حال الفريق الأول وقد ذكر فى أحد الجانبين المسبب وفى الآخر السبب ودل بالمذكور فى كل منهما على المتروك فى الآخر تعويلا على شهادة العقل كما فى قوله عز وعلا (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) نزلت فى ثقيف إذ قالوا للنبى صلىاللهعليهوسلم لا ندخل فى أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى فى صلاتنا وكل ربا لنا فهو لنا وكل ربا علينا فهو موضوع عنا وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم