(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (٨٥)
____________________________________
(قُلْ كُلٌّ) أى كل أحد منكم وممن هو على خلافكم (يَعْمَلُ) عمله (عَلى شاكِلَتِهِ) طريقته التى تشاكل حاله* فى الهدى والضلالة أو جوهر روحه وأحواله التابعة لمزاج بدنه (فَرَبُّكُمْ) الذى برأكم على هذه الطبائع* المتخالفة (أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أى أسد طريقا وأبين منهاجا وقد فسرت الشاكلة بالطبيعة والعادة والدين (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الظاهر أن السؤال كان عن حقيقة الروح الذى هو مدبر البدن الإنسانى ومبدأ حياته روى أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين وعن الروح فإن أجاب عنها جميعا أو سكت فليس بنى وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبى فبين لهم القصتين* وأبهم أمر الروح وهو مبهم فى التوراة (قُلِ الرُّوحُ) أظهر فى مقام الإضمار إظهارا لكمال الاعتناء بشأنه* (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) كلمة من بيانية والأمر بمعنى الشأن والإضافة للاختصاص العلمى لا الإيجادى لاشتراك الكل فيه وفيها من تشريف المضاف مالا يخفى كما فى الإضافة الثانية من تشريف المضاف إليه أى هو من* جنس ما استأثر الله تعالى بعلمه من الأسرار الخفية التى لا يكاد يحوم حولها عقول البشر (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) لا يمكن تعلقه بأمثال ذلك روى أنه صلىاللهعليهوسلم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب قال صلىاللهعليهوسلم بل نحن وأنتم فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وساعة تقول هذا فنزلت (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية وإنما قالوا ذلك لركاكة عقولهم فإن الحكمة الإنسانية أن يعلم من الخير ما تسعه الطاقة البشرية بل ما نيط به المعاش والمعاد وذلك بالإضافة إلى مالا نهاية له من معلوماته سبحانه قليل ينال به خير كثير فى نفسه أو بالنسبة إلى الإنسان أو هو من الإبداعيات الكائنة بمحض الأمر التكوينى من غير تحصل من مادة وتولد من أصل كأعضاء الجسد حتى بمكن تعريفه ببعض مباديه ومآله أنه من عالم الأمر لا من عالم الخلق وليس هذا من قبيل قوله سبحانه (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فإن ذلك عبارة عن سرعة التكوين سواء كان الكائن من عالم الأمر أو من عالم الخلق وفيه تنبيه على أنه مما لا يحيط بكنهه دائرة إدراك البشر وإنما الممكن هذا القدر الإجمالى المندرج تحت ما استثنى بقوله تعالى (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) أى إلا علما قليلا تستفيدونه من طرق الحواس فإن تعقل المعارف النظرية إنما هو من إحساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علما ولعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس ولا شىء من أحواله التى يدور عليها معرفة ذاته وأما حمل ما ذكر على السؤال عن قدمه وحدوثه وجعل الجواب إخبارا بحدوثه أى كائن بتكوينه حادث بإحداثه بالأمر التكوينى فمع عدم ملاءمته لحال السائلين لا يساعده التعرض لبيان قلة علمهم فإن ما سألوا عنه مما يفى به علمهم حينئذ وقد أخبر عنه وقيل المراد بالروح خلق عظيم روحانى أعظم من الملك وقيل جبريل عليهالسلام وقيل القرآن ومعنى من أمر ربى من وحيه وكلامه لا من كلام البشر.