(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠)
____________________________________
(وَيَقُولُونَ) فى سجودهم (سُبْحانَ رَبِّنا) عما يفعل الكفرة من التكذيب أو عن خلف وعده (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) إن مخففة من المثقلة واللام فارقة أى إن الشأن هذا (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) كرر الخرور للأذقان لاختلاف السبب فإن الأول لتعظيم أمر الله تعالى أو الشكر لإنجاز الوعد والثانى لما* أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله (وَيَزِيدُهُمْ) أى القرآن بسماعهم (خُشُوعاً) كما يزيدهم علما ويقينا بالله تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) نزل حين سمع المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول يا ألله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا عن عبادة إلهين وهو يدعو إلها آخر وقالت اليهود إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله تعالى فى التوراة والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما عبارتان عن ذات واحدة وإن اختلف الاعتبار والتوحيد إنما هو للذات الذى هو المعبود وعلى الثانى أنهما سيان* فى حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أوفق لقوله تعالى (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) والدعاء بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين فى أيا عوض عن المضاف إليه وما مزيدة لتأكيد ما فى أى من الإبهام والضمير فى له للمسمى لأن التسمية له لا للاسم وكان أصل الكلام أيا ما تدعوا فهو حسن فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه إذ حسن جميع أسمائه يستدعى حسن ذينك الاسمين وكونها حسنى لدلالتها على صفات الكمال من* الجلالة والجمال والإكرام (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أى بقراءة صلاتك بحيث تسمع المشركين فإن ذلك* يحملهم على السب واللغو فيها (وَلا تُخافِتْ بِها) أى بقراءتها بحيث لا تسمع من خلفك من المؤمنين* (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ) أى بين الجهر والمخافتة على الوجه المذكور (سَبِيلاً) أمرا وسطا قصدا فإن خير الأمور أوساطها والتعبير عن ذلك بالسبيل باعتبار أنه أمر يتوجه إليه المتوجهون ويؤمه المقتدون ويوصلهم إلى المطلوب وروى أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه كان يخفت ويقول أناجى ربى وقد علم حاجتى وعمر رضى الله عنه كان يجهر بها ويقول أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فلما نزلت أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر أن يرفع قليلا وعمر أن يخفض قليلا وقيل المعنى لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلا بالمخافتة نهارا والجهر ليلا وقيل بصلاتك بدعائك وذهب قوم إلى أنها منسوخة بقوله تعالى (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً).