(فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) (١٠٧)
____________________________________
إفك مبين وظنه صلىاللهعليهوسلم يتاخم اليقين (فَأَرادَ) أى فرعون (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) أى يستخفهم ويزعجهم (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مصر أو من الأرض مطلقا بالقتل كقوله (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) فعكسنا عليه مكره واستفززناه وقومه بالإغراق (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) من بعد إغراقهم (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) التى أراد أن يستفزكم منها (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) الكرة الآخرة* أو الحياة أو الساعة والدار الآخرة أى قيام القيامة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم* وتميز سعداءكم من أشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) أى وما أنزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحق المقتضى لإنزاله وما نزل إلا ملتبسا بالحق الذى اشتمل عليه أو ما أنزلناه من السماء إلا محفوظا وما نزل على الرسول إلا محفوظا من تخليط الشياطين ولعل المراد بيان عدم اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) للمطيع بالثواب (وَنَذِيراً) للعاصى من العقاب وهو* تحقيق لحقية بعثته صلىاللهعليهوسلم إثر تحقيق حقية إنزال القرآن (وَقُرْآناً) منصوب بمضمر يفسره قوله تعالى (فَرَقْناهُ) وقرىء بالتشديد دلالة على كثرة نجومه (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) على مهل وتثبت فإنه أيسر للحفظ وأعون* على الفهم وقرىء بالفتح وهو لغة فيه (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة ويقع من الحوادث* والواقعات (قُلْ) للذين كفروا (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) فإن إيمانكم به لا يزيده كمالا وامتناعكم لا يورثه نقصا (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) أى العلماء الذين قرءوا الكتب السالفة من قبل تنزيله وعرفوا حقيقة* الوحى وأمارات النبوة وتمكنوا من التمييز بين الحق والباطل والمحق والمبطل ورأوا فيها نعتك ونعت ما أنزل إليك (إِذا يُتْلى) أى القرآن (عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) أى يسقطون على وجوههم (سُجَّداً) تعظيما* لأمر الله تعالى أو شكرا لإنجاز ما وعد به فى تلك الكتب من بعثتك وتخصيص الأذقان بالذكر الدلالة على كمال التذلل إذ حينئذ يتحقق الخرور عليها وإيثار اللام للدلالة على اختصاص الخرور بها كما فى قوله [فخر صريعا لليدين وللفم] وهو تعليل لما يفهم من قوله تعالى (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) من عدم المبالاة بذلك أى إن لم تؤمنوا به فقد آمن به أحسن إيمان من هو خير منكم ويجوز أن يكون تعليلا لقل على سبيل التسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنه قيل تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم.