(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) (١٩)
____________________________________
إعماله مطلقا والذراع من المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى (بِالْوَصِيدِ) أى بموضع الباب من الكهف* (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) أى لو عاينتهم وشاهدتهم وأصل الاطلاع الإشراف على الشىء بالمعاينة والمشاهدة* وقرىء بضم الواو (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) هربا مما شاهدت منهم وهو إما نصب على المصدرية من معنى ما قبله* إذ التولية والفرار من واد واحد وإما على الحالية بجعل المصدر بمعنى الفاعل أى فارا أو بجعل الفاعل مصدرا مبالغة كما فى قولها فإنما هى إقبال وإدبار وإما على أنه مفعول له (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) وقرىء بضم العين أى* خوفا يملأ الصدر ويرعبه وهو إما مفعول ثان أو تمييز ذلك لما ألبسهم الله عزوجل من الهيبة والهيئة كانت أعينهم مفتحة كالمستيقظ الذى يريد أن يتكلم وقيل لطول أظفارهم وشعورهم ولا يساعده قولهم لبثنا يوما أو بعض يوم وقوله (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) فإن الظاهر من ذلك عدم اختلاف أحوالهم فى أنفسهم وقيل لعظم أجرامهم ولعل تأخير هذا عن ذكر التولية للإيذان باستقلال كل منهما فى الترتب على الإطلاع إذ لوروعى ترتيب الوجود لتبادر إلى الفهم ترتب المجموع من حيث هو هو عليه وللإشعار بعدم زوال الرعب بالفرار كما هو المعتاد وعن معاوية لما غزا الروم فمر بالكهف قال لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس رضى الله عنهما ليس لك ذلك قد منع الله تعالى من هو خير منك حيث قال (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) الآية قال معاوية لا أنتهى حتى أعلم علمهم فبعث ناسا وقال لهم اذهبوا فانظروا ففعلوا فلما دخلوا الكهف بعث الله تعالى ريحا فأحرقتهم وقرىء بتشديد اللام على التكثير وبإبدال الهمزة ياء مع التخفيف والتشديد (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أى كما أنمناهم وحفظنا أجسادهم من البلى والتحلل آية دالة على كمال قدرتنا بعثناهم من النوم (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) أى ليسأل بعضهم بعضا فيترتب عليه ما فصل من الحكم* البالغة وجعله غاية للبعث المعلل فيما سبق بالاختبار من حيث إنه من أحكامه المترتبة عليه والاقتصار على ذكره لاستتباعه لسائر آثاره (قالَ) استئناف لبيان تساؤلهم (قائِلٌ مِنْهُمْ) هو رئيسهم واسمه مكسلمينا (كَمْ لَبِثْتُمْ) فى منامكم لعله قاله لما رأى من مخالفة حالهم لما هو المعتاد فى الجملة (قالُوا) أى بعضهم (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قبل إنما قالوه لما أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم آخر النهار فقالوا لبثنا يوما فلما رأوا أن الشمس لم تغرب بعد قالوا أو بعض يوم وكان ذلك بناء على الظن الغالب فلم يعزوا إلى الكذب (قالُوا) * أى بعض آخر منهم بما سنح لهم من الأدلة أو بإلهام من الله سبحانه (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) أى أنتم لا تعلمون* مدة لبثكم وإنما يعلمها الله سبحانه وهذا رد منهم على الأولين بأجمل ما يكون من مراعاة حسن الأدب وبه يتحقق التحزب إلى الحزبين المعهودين فيما سبق وقد قبل القائلون جميعهم ولكن فى حالتين ولا يساعده النظم الكريم فإن الاستئناف فى الحكاية والخطاب فى المحكى يقضى بأن الكلام جار على منهاج المحاورة