(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (٢١)
____________________________________
* والمجاوبة وإلا لقيل ثم قالوا ربنا أعلم بما لبثنا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) قالوه إعراضا عن التعمق فى البحث وإقبالا على ما يهمهم بحسب الحال كما ينبىء عنه الفاء والورق الفضة مضروبة أو غير مضروبة ووصفها باسم الإشارة يشعر بأن القائل ناولها بعض أصحابه ليشترى بها قوت يومهم ذلك وقرىء بسكون الراء وإدغام القاف فى الكاف وبكسر الواو وبسكون الراء مع الإدغام وحملهم لها دليل على أن* التزود لا ينافى التوكل على الله تعالى (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها) أى أهلها (أَزْكى) أحل وأطيب أو أكثر وأرخص* (طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) أى من ذلك الأزكى طعاما (وَلْيَتَلَطَّفْ) وليتكلف اللطف فى المعاملة كيلا يغبن أو* فى الاستخفاء لئلا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) من أهل المدينة فإنه يستدعى شيوع أخباركم أى لا يفعلن ما يؤدى إلى ذلك فالنهى على الأول تأسيس وعلى الثانى تأكيد للأمر بالتلطف (إِنَّهُمْ) تعليل لما سبق من الأمر والنهى أى ليبالغ فى التلطف وعدم الإشعار لأنهم (إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أى يطلعوا عليكم أو يظفروا* بكم والضمير للأهل المقدر فى أيها (يَرْجُمُوكُمْ) إن ثبتم على ما أنتم عليه (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) أى يصيروكم إليها ويدخلوكم فيها كرها من العود بمعنى الصيرورة كقوله تعالى (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) وقيل كانوا أولا على دينهم وإيثار كلمة فى على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار الذى هو أشد شىء عندهم كراهة وتقديم احتمال الرجم على احتمال الإعادة لأن الظاهر من حالهم هو الثبات على الدين المؤدى إليه وضمير الخطاب فى المواضع الأربعة للمبالغة فى حمل المبعوث على الاستخفاء وحث الباقين على الاهتمام بالتوصية فإن امحاض النصح أدخل فى* القبول واهتمام الإنسان بشأن نفسه أكثر وأوفر (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً) أى إن دخلتم فيها ولو بالكره والإلجاء لن تفوزوا بخير (أَبَداً) لا فى الدنيا ولا فى الآخرة وفيه من التشديد فى التحذير مالا يخفى (وَكَذلِكَ) أى* وكما أنمناهم وبعثناهم لما مر من ازديادهم فى مراتب اليقين (أَعْثَرْنا) أى أطلعنا الناس (عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا) * أى الذين أعثرناهم عليهم بما عاينوا من أحوالهم العجيبة (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) أى وعده بالبعث أو موعوده الذى هو البعث أو أن كل وعده أو كل موعوده فيدخل فيه وعده بالبعث أو البعث الموعود دخولا* أوليا (حَقٌّ) صادق لا خلف فيه أو ثابت لا مرد له لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث (وَأَنَّ السَّاعَةَ) أى القيامة التى هى عبارة عن وقت بعث الخلائق جميعا للحساب والجزاء (لا رَيْبَ فِيها) لا شك فى قيامها فإن من شاهد أنه جل وعلا توفى نفوسهم وأمسكها ثلثمائة سنة وأكثر حافظا أبدانها من التحلل والتفتت ثم أرسلها إليها لا يبقى له شائبة شك فى أن وعده تعالى حق وأنه يبعث من فى القبور فيرد إليهم