(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (٧٩)
____________________________________
أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) هى أنطاكية وقيل أيلة وهى أبعد أرض الله من السماء وقيل هى برقة وقيل بلدة بأندلس عن النبى صلىاللهعليهوسلم كانوا أهل قرية لئاما وقيل شر القرى التى لا يضاف فيها الضيف ولا يعرف لابن السبيل حقه وقوله تعالى (اسْتَطْعَما أَهْلَها) فى محل الجر على أنه صفة لقرية ولعل العدول عن استطعماهم على أن* يكون صفة للأهل لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم فإن الإباء من الضيافة وهم أهلها قاطنون بها أقبح وأشنع روى أنهما طافا فى القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) بالتشديد* وقرىء بالتخفيف من الإضافة يقال ضافه إذا كان له ضيفا وأضافه وضيفه أنزله وجعله ضيفا له وحقيقة ضاف مال إليه من ضاف السهم عن الغرض ونظيره زاره من الإزورار (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) * أى يدانى أن يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارفة للدلالة على المبالغة فى ذلك والانقضاض الإسراع فى السقوط وهو انفعال من القض يقال قضضته فانقض ومنه انقضاض الطير والكوكب لسقوطه بسرعة وقيل هو افعلال من النقض كاحمر من الحمرة وقرىء أن ينقض من النقض وأن ينقاض من انقاضت السن إذا انشقت طولا (فَأَقامَهُ) قيل مسحه بيده فقام وقيل نقضه وبناه وقيل أقامه بعمود عمده به قيل* كان سمكه مائة ذاع (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) تحريضا له على أخذ الجعل لينتعشا به أو تعريضا* بأنه فضول لما فى لو من النفى كأنه لما راى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك الصبر واتخذ افتعل من تخذ بمعنى أخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين وقرىء لتخذت أى لأخذت وقرىء بإدغام الذال فى التاء (قالَ) أى الخضر عليه الصلاة والسلام (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) على إضافة المصدر إلى الظرف اتساعا وقد قرىء على الأصل والمشار إليه إما نفس الفراق كما فى هذا أخوك أو الوقت الحاضر أى هذا الوقت وقت فراق بينى وبينك أو السؤال الثالث أى هذا سبب ذلك الفراق حسبما هو الموعود (سَأُنَبِّئُكَ) السين للتأكيد لعدم تراخى التنبئة (بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) التأويل رجع* الشىء إلى مآله والمراد به ههنا المآل والعاقبة إذ هو المنبأ به دون التأويل وهو خلاص السفينة من اليد العادية وخلاص أبوى الغلام من شره مع الفوز بالبدل الأحسن واستخراج اليتيمين للكنز وفى جعل صلة الموصول عدم استطاعة موسى عليه الصلاة والسلام للصبر دون أن يقال بتأويل ما فعلت أو بتأويل ما رأيت ونحوهما أنوع تعريض به عليه الصلاة والسلام وعتاب (أَمَّا السَّفِينَةُ) التى خرقتها (فَكانَتْ لِمَساكِينَ) لضعفاء لا يقدون على مدافعة الظلمة وقيل كانت لعشرة إخوة خمسة منهم زمنى وخمسة (يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) * وإسناد العمل إلى الكل حينئذ إنما هو بطريق التغليب أو لأن عمل الموكلاء بمنزلة عمل الموكلين (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أى أجعلها ذات عيب (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) أى أمامهم وقد قرىء به أو خلفهم وكان رجوعهم