(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (١٢)
____________________________________
زكريا حينئذ أظهر عنده وأجلى وكان حاله أولى بأن يكون معيارا لحال ما بشر به نسب الخلق المذكور إليه كما نسب الخلق والتصوير إلى المخاطبين فى قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) توفية لمقام الامتنان حقه فكأنه قيل وقد خلقتك من قبل فى تضاعيف خلق آدم ولم تكن إذ ذاك شيئا أصلا بل عدما بحتا ونفيا صرفا هذا وأما حمل الشىء على المعتد به أى ولم تكن شيئا معتدا به فيأباه المقام ويرده نظم الكلام وقرىء خلقناك (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أى علامة تدلنى على تحقق المسؤول ووقوع الحبل ولم يكن هذا السؤال منه عليه الصلاة والسلام لتأكيد البشارة وتحقيقها كما قيل فإن ذلك مما لا يليق بمنصب الرسالة وإنما كان ذلك لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه وهو أمر خفى لا يوقف عليه فأراد أن يطلعه الله تعالى عليه ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حين حدوثها ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا وقد مرت الإشارة فى تفسير سورة آل عمران إلى أن هذا السؤال ينبغى أن يكون بعد ما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روى أن يحيى كان أكبر من عيسى عليهما الصلاة والسلام بستة أشهر أو بثلاث سنين ولا ريب فى أن دعاء زكريا عليه الصلاة والسلام كان فى صغر مريم لقوله تعالى (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) وهى إنما ولدت عيسى عليه الصلاة والسلام وهى بنت عشر سنين أو بنت ثلاث عشرة سنة والجعل إبداعى واللام متعلقة به وتقديمها على المفعول به لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أو بمحذوف وقع حالا من آية إذ لو تأخر لكان صفة لها وقيل بمعنى التصيير المستدعى لمفعولين أولهما آية وثانيهما الظرف وتقديمه لأنه لا مسوغ لكون آية مبتدأ عند انحلال الجملة إلى مبتدأ* وخبر سوى تقديم الظرف فلا يتغير حالهما بعد ورود الناسخ (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) أى أن لا* تقدر على أن تكلمهم بكلام الناس مع القدرة على الذكر والتسبيح (ثَلاثَ لَيالٍ) مع أيامهن للتصريح* بها فى سورة آل عمران (سَوِيًّا) حال من فاعل تكلم مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الاضطرار دون الاختيار أى تمنع الكلام فلا تطيق به حال كونك سوى الخلق سليم الجوارح ما بك شائبة بكم ولا خرس (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) أى من المصلى أو من الغرفة وكانوا من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا إذ خرج عليهم متغيرا لونه فأنكروه وقالوا مالك (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) أى أوما إليهم لقوله تعالى (إِلَّا رَمْزاً) وقيل كتب على الأرض وأن فى قوله تعالى (أَنْ سَبِّحُوا) إما مفسرة لأوحى أو مصدرية والمعنى أى صلوا أو بأن صلوا (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) هما ظرفا زمان للتسبيح. عن أبى العالية أن المراد بهما صلاة الفجر وصلاة العصر أو نزهوا ربكم طرفى النهار ولعله كان مأمورا بأن يسبح شكرا ويأمر قومه بذلك (يا يَحْيى) استئناف طوى قبله جمل كثيرة مسارعة إلى الإنباء بإنجاز الوعد الكريم أى قلنا