(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣)
____________________________________
أى خلقهن مرتفعات على طريقة قولهم سبحان من كبر الفيل وصغر البعوض لا أنه رفعها بعد أن لم تكن كذلك والجملة مبتدأ وخبر كقوله (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ (بِغَيْرِ عَمَدٍ) أى بغير دعائم جمع عماد كإهاب* وأهب وهو ما يعمد به أى يسند يقال عمدت الحائط أى أدعمته وقرىء عمد على جمع عمود بمعنى عماد كرسل ورسول وإيراد صيغة الجمع لجمع السموات لا لأن المنفى عن كل واحدة منها عمد لا عماد (تَرَوْنَها) * استئناف استشهد به على ما ذكر من رفع السموات بغير عمد وقيل صفة لعمد جىء بها إيهاما لأن لها عمدا غير مرئية هى قدرة الله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى) أى استولى (عَلَى الْعَرْشِ) بالحفظ والتدبير أو استوى* أمره وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله عزوجل بلا كيف وأياما كان فليس المراد به القصد إلى إيجاد العرش وخلقه فلا حاجة إلى جعل كلمة ثم للتراخى فى الرتبة (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذللهما* وجعلهما طائعين لما أريد منهما من الحركات وغيرها (كُلٌّ) من الشمس والقمر (يَجْرِي) حسبما أريد منها* (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) لمدة معينة فيها تتم دورته كالسنة للشمس والشهر للقمر فإن كلا منهما يجرى كل يوم على مدار* معين من المدارات اليومية أو لمدة ينتهى فيها حركاتهما ويخرج جميع ما أريد منهما من القوة إلى الفعل أو لغاية يتم عندها ذلك والجملة بيان لحكم تسخيرهما (يُدَبِّرُ) بما صنع من الرفع والاستواء والتسخير أى* يقضى ويقدر حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة (الْأَمْرَ) أمر الخلق كله وأمر ملكوته وربوبيته (يُفَصِّلُ الْآياتِ) الدلالة على كمال قدرته وبالغ حكمته أى يأتى بها مفصلة وهى ما ذكر من الأفعال العجيبة وما يتلوها من الأوضاع الفلكية الحادثة شيئا فشيئا المستتبعة للآثار الغريبة فى السفليات على موجب التدبير والتقدير فالجملتان إما حالان من ضمير استوى وقوله (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) من تتمة الاستواء وإما مفسرتان له أو الأولى حال منه والثانية من الضمير فيها أو كلاهما من ضمائر الأفعال المذكورة وقوله (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) من تتمة التسخير أو خبران عن قوله (اللهُ) خبرا بعد خبر والموصول صفة للمبتدأ جىء به للدلالة على تحقيق الخبر وتعظيم شأنه كما فى قول الفرزدق[إن الذى سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول] (لَعَلَّكُمْ) عند معاينتكم لها وعثوركم على تفاصيلها (بِلِقاءِ رَبِّكُمْ) بملاقاته للجزاء (تُوقِنُونَ) * فإن من تدبرها حق التدبر أيقن أن من قدر على إبداع هذه الصنائع البديعة على كل شىء قدير وأن لهذه التدبيرات المتينة عواقب وغايات لا بد من وصولها وقد بينت على ألسنة الأنبياء عليهمالسلام أن ذلك ابتلاء المكلفين ثم جزاؤهم حسب أعمالهم فإذن لا بد من الإيقان بالجزاء ولما قزر الشواهد العلوية أردفها بذكر الدلائل السفلية فقال (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أى بسطها طولا وعرضا قال الأصم المدهو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه ففيه دلالة على بعد مداها وسعة أقطارها (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) أى جبالا* ثوابت فى أحيازها من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة ولم يذكر الموصوف لإغناء غلبة الوصف بها